بطاينه يكتب: الملك عبدالله الثاني.. ضمير الإنسانية وصوت الحق في الأمم المتحدة

الملك عبدالله الثاني.. ضمير الإنسانية وصوت الحق في الأمم المتحدة
بقلم: أ.د. حميد بطاينه
تتجدد اللحظات التي يلتقي فيها التاريخ بالحاضر، حين يقف زعيم في منصة الأمم المتحدة ليعيد تعريف صوت العدالة وسط ضجيج المصالح والسياسات المتناقضة، هذا ما فعله جلالة الملك عبدالله الثاني في كلمته الأخيرة أمام الجمعية العامة، إذ لم يكن خطابه مجرد بيان دبلوماسي بل شهادة إنسانية وسياسية تلخص مأساة عقود وتوقظ الضمير العالمي الغافل.
في كلمة تاريخية، أعاد الملك تثبيت موقع الأردن كصوت أخلاقي وسياسي ثابت في الدفاع عن القضية الفلسطينية، متصدياً للازدواجية الدولية التي سمحت باستمرار أطول صراع في العصر الحديث، ومنذ اللحظة الأولى، وضع العالم أمام حقيقة مرة: تكرار الأخطاء منذ ثمانية عقود جعل الفلسطينيين يعيشون في دوامة قصف وتشريد وانتهاك للحقوق الأساسية، قبل أن يوجه سؤاله العميق إلى المجتمع الدولي: إلى متى يستمر هذا الصمت؟
وشدّد جلالته على أن الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي ليس نزاعاً عابراً أو خلافاً سياسياً محدوداً، بل احتلال غير قانوني وانتهاك صارخ للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، مذكّراً العالم بأن التغاضي عن هذه الانتهاكات المتواصلة فاقم المأساة وأطاح بصدقية المنظومة الدولية.
وفي وصفه المأساوي لما يجري في غزة، قدّم الملك أمام العالم شهادة صادمة لعشرات الآلاف من الشهداء، بينهم أطفال، وأحياء مدمرة بالكامل، ومجاعة وانتشار للخراب تحت تعتيم إعلامي غير مسبوق، لكنه لم يكتف بالتحذير، بل نبه إلى أن خطابات التحريض على استهداف المسجد الأقصى قد تشعل حرباً دينية تتجاوز حدود المنطقة لتطال العالم بأسره.
وأكد جلالته أن الأردن، بحكم الوصاية الهاشمية على المقدسات في القدس، لن يتهاون مع أي محاولات لتغيير الوضع التاريخي والقانوني للمدينة، مستعرضاً الدور الأردني في قيادة الاستجابة الإنسانية في غزة عبر الجيش العربي والأطقم الطبية التي تواصل عملها رغم القصف.
ورغم قتامة المشهد، أشار الملك إلى بصيص أمل يتمثل في تنامي الأصوات الدولية المطالبة بوقف دائم لإطلاق النار، مجدداً التأكيد أن السبيل الوحيد لتحقيق الأمن والسلام هو حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، إلى جانب دولة إسرائيلية تعيش بأمان.
وفي سياق جهوده الدبلوماسية المتواصلة، شارك جلالة الملك عبدالله الثاني في اجتماع متعدد الأطراف عُقد في نيويورك بدعوة من الولايات المتحدة وقطر لبحث سبل وقف الحرب على غزة، حيث أكد استعداد الدول المشاركة للعمل مع الولايات المتحدة على وضع خطة شاملة تنهي الحرب والمعاناة في القطاع.
وشدّد جلالته خلال الاجتماع على أن التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار وضمان تدفق المساعدات الإنسانية دون عوائق يشكل أولوية قصوى، داعياً في الوقت نفسه إلى العمل على استعادة الاستقرار في الضفة الغربية وعدم السماح باندلاع صراع جديد هناك.
كما حذّر من أن ضم الضفة الغربية أو تغيير الوضع التاريخي القائم في الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في القدس سيقوض جميع الجهود المبذولة لتحقيق السلام والاستقرار، مؤكداً الدور المهم للولايات المتحدة والرئيس الأميركي دونالد ترمب في إنهاء الحرب على غزة وتحقيق السلام العادل.
خطاب الملك لم يكن موقفاً سياسياً فحسب، بل صرخة ضمير إنساني في وجه ازدواجية المعايير، أثبتت مجدداً أن الأردن، رغم إمكاناته المحدودة، يملك صوتاً كبيراً في المحافل العالمية ويقود الدفاع عن العدالة والكرامة الإنسانية.