(الناقل الوطني للمياه) بين كلفة الحاضر وأمن المستقبل

(الناقل الوطني للمياه) بين كلفة الحاضر وأمن المستقبل
(الناقل الوطني للمياه) بين كلفة الحاضر وأمن المستقبل


عمّان – ريم الرواشدة

يشهد مشروع الناقل الوطني للمياه نقاشًا واسعًا بين مؤيدين يرونه ركيزةً للأمن المائي والتنمية المستدامة، ومعارضين يعتبرون تكلفته المرتفعة عبئًا اقتصاديًا في ظل الظروف المالية الصعبة التي تمر بها المملكة.

بحسب صندوق المناخ الأخضر، تبلغ كلفة المشروع، نحو 6.3 مليار دولار، وهو ما يضعه ضمن أضخم المشاريع في تاريخ المملكة.

ويهدف المشروع إلى تحلية مياه البحر الأحمر في العقبة ونقلها إلى مختلف محافظات المملكة، لتأمين مصدر مائي مستدام يلبي احتياجات اكثر من11 مليون نسمة

بين الأولويات الاجتماعية والمشاريع الاستراتيجية

تقول الخبيرة الإقليمية بالمياه و دبلوماسية المياه م.ميسون الزعبي : يُثير المشروع تساؤلات حول توزيع الأولويات الوطنية: فهل من الأنسب توجيه هذه المبالغ إلى دعم الأسر الفقيرة والمهمشة؟ أم أن الاستثمار في البنية التحتية الكبرى هو الضمان الحقيقي لرفاه الأجيال القادمة؟".

و تزيد: " أن التركيز على توفير الضروريات الأساسية للأسر الأكثر ضعفًا هو واجب وطني عاجل، خاصةً في ظل التحديات الاقتصادية وارتفاع كلف المعيشة. في المقابل، كما أن المشاريع الاستراتيجية الكبرى، مثل الناقل الوطني، تمثل استثمارًا طويل الأمد في الأمن المائي والاستقرار الاقتصادي، وتُعد شرطًا أساسيًا لأي تنمية مستقبلية مستدامة.


مشروع وطني بحجم التحدي

وتلفت:الى أن المشروع  يمثل تحولًا استراتيجيًا في إدارة المياه، إذ يسعى إلى وقف استنزاف المصادر التقليدية للمياه الجوفية، وتوفير إمدادات مائية مستمرة بدلًا من التزويد المتقطع الذي تعاني منه العديد من المناطق.

كما يتيح المشروع فرصًا واسعة للشراكة مع القطاع الخاص وجذب التمويل الدولي، مما يجعله نموذجًا للتنمية المستدامة المبنية على تحلية المياه بالطاقة النظيفة، ويمثل خطوة نحو تعزيز استقلالية الأردن المائية.

وتستدرك": مشروع الناقل الوطني للمياه أساسي لمعالجة أزمة المياه الحادة ، ورغم كلفته المرتفعة المقدرة بـ 6.3 مليار دولار، كما أُعلن على الموقع الإلكتروني لصندوق المناخ الأخضر، أحد داعمي المشروع، وهو ما يُمثل تحديًا ماليًا كبيرًا في ظل المناخ الاقتصادي الحالي، إلا أن هذه التكلفة تُقابلها فوائد استراتيجية طويلة الأجل. "


التمويل والتحديات

ورغم الكلفة المرتفعة ، تمكنت الحكومة من تأمين تمويل جزئي من المنح والقروض الدولية، إضافةً إلى خطط لتفعيل شراكات تشغيل وصيانة مع القطاع الخاص. ويُشير مصدر حكومي إلى أن" المشروع يخضع لإدارة دقيقة للعطاءات ولخطط توزيع المياه، بما يضمن كفاءة التنفيذ وتقليل الأعباء المالية".

إلا أن التكلفة المرتفعة تفرض على الحكومة تبني إستراتيجية وطنية شاملة لإدارة الموارد المائية، تشمل الحد من فاقد المياه الناتج عن التسربات والاعتداءات، وتحسين كفاءة استخدام المياه في الزراعة والصناعة والمنازل، إلى جانب استكشاف حلول بديلة مثل حصاد مياه الأمطار والاستمطار الصناعي.

 

إدارة الطلب: طريق موازٍ للأمن المائي

وتنبه الزعبي:"في  ظل ندرة الموارد وارتفاع تكلفة التحلية، تبرز أهمية إدارة الطلب على المياه. ويشمل ذلك تطبيق حلول تقنية وسلوكية لترشيد الاستهلاك، مثل إستخدام أنظمة الري بالتنقيط في الزراعة، وإصلاح التسريبات المنزلية، وتبني تقنيات موفرة للمياه."

وتقول: أن هذه الإجراءات يمكن أن تسهم في خفض فواتير المياه للمستهلكين، وتقليل كلفة الإنتاج على المستوى الوطني، وتعزيز استدامة الموارد المائية للأجيال القادمة. والتخفيف من آثار الجفاف وندرة المياه.

دعم الفئات محدودة الدخل

ولتفادي الأثر الاجتماعي لارتفاع أسعار المياه مستقبلاً، تُوصي م. الزعبي بضرورة أن تعتمد الحكومة سياسات دعم موجهة للفئات محدودة الدخل، عبر تقديم دعم مالي مباشر، وتحسين كفاءة البنية التحتية لشبكات المياه لتقليل الفاقد، وتنفيذ برامج دعم مالي لتحديث أجهزة المياه المنزلية، وتقديم الدعم الفني وحملات التوعية لتعزيز ترشيد استهلاك المياه، وتوسيع مشاريع حصاد مياه الأمطار.

كما يتطلب ذلك استكشاف حلول بديلة ، وحفر الآبار العميقة، واستمطار السحب، والاهتمام بشكل أكبر بتأمين حقوقنا المائية من الدول المجاورة التي تتشارك هذه الموارد. 

بين الحاضر والمستقبل

يبقى مشروع الناقل الوطني للمياه أحد أكثر المشاريع الاستراتيجية طموحًا في تاريخ الأردن. ورغم التحديات المالية، إلا أن تحقيق الأمن المائي يمثل ركيزة أساسية للأمن الوطني والتنمية الاقتصادية. وبين من يدعو إلى التركيز على احتياجات الحاضر ومن يخطط لأمن المستقبل، يبدو أن المعادلة الصعبة تتطلب موازنة دقيقة بين العدالة الاجتماعية والاستثمار في المستقبل المستدام.