الفنان صلاح الحوراني يكتب: نُعلي شعلة الثقافة والفنون.. ولا نُخمد نارها
نُعلي شعلة الثقافة والفنون.. ولا نُخمد نارها
الفنان صلاح الحوراني
إذا اتفقنا بأن الثقافة والفنون بانتاجاتها مجتمعة، هي مكونات جوهرية لا غنى عنها في بنية الدولة الراسخة والحديثة، كونها تتجاوز دورها التعبيري أو الجمالي أو الترفيهي، لتصبح أدوات استراتيجية في ترسيخ خارطة الهوية الوطنية والمعمار البشري لبناء الإنسان المنتمي والمنتج فيها، كون المعرفة والثقافة والفنون هي في الأساس منظومات رمزية تأسّس وترسخ مكونات الإنتماء الجماعي، وتعزز القدرة الخلاقة على مقاومة التآكل الداخلي أوحتى الذوبان في المحيط الخارجي، وذلك عبر إنتاج وعي معرفي نقدي، يحفز الفرد ويحرّك المجتمع نحو التجديد والابتكار والإنتماء.
فالتراث المعرفي والآداب والفنون، من مسرح ورواية وشعر وسينما ونحت وتشكيل وغناء وموسيقى، تشكل البنية الأساس لسرديات الدولة، ومعاول التعبير عنها، كونها توّلف بين الحكاية التعبيرية الجامعة والرموز المشتركة والتاريخ المؤطر، فتُوحّد الذاكرة وتُعيد إنتاج الذات الوطنية بحلتها الأبهى. فعبر هذا التأطير، تُنتج الفنون مجتمعة إنسانًا قلقًا ومبدعًا خلاقًا، قادراً على التساؤل والتفاعل، بدلاً من القبول السطحي والاتباع الأعمى. كونها تحافظ على الإرث الثقافي بمستوياته وطبقاته المتعددة، وتجدد معانيه بما يتلاءم مع الحاضر، ليعزز التنوع والتميز والسيادة الثقافية، ويقوي حضور الدولة في خارجها والداخل. فقوة الدولة الناعمة، المتمثلة في دبلوماسية الفن والثقافة، كانت وما تزال عاملًا محوريًا في رسم مكانة الدول على الساحة العالمية، وهو ما تجسده مؤخرًا تجارب دول مثل اليابان وتركيا وكوريا الجنوبية والهند مثلًا.
أما في سياقات الأزمات والتحديات، تتحول الفنون إلى مساحات مقاومة عُليا، وأدوات استشراف للمستقبل، تعيد بناء الأمل، وترسم بدائل ممكنة للصمود والبقاء أو التميز، وهنا يكون الاستثمار في الثقافة والفنون، استثمار في العمق الحضاري لعقل الدولة، وإنسانها المنتج المنتمي، أما من لا يمتلك سرديته الوطنية، لا يمتلك دولته القادرة على الحضور والتنافس والبقاء والمجابهة.
وعلى ضوء ذلك، يبرز هنا السؤال الأكبر: لمصلحة من يطفو على ساحتنا المحلية، هذا الصراع المحموم بين الزملاء الفنانين والعاملين والمؤسسات المشتغلة في صناعة الدراما وفنونها المجاورة. وكأنه البركان، وكلٌ يقذف بحممه على الأخر، متناسين بأن مسؤولية تراجع صناعتنا الدرامية تقع علينا مجتمعين، أفرادًا ومؤسسات ودون استثناء، وكلٌ من موقعة، هذا إذا احتكمنا إلى الحيادية في عملية المراجعة المسؤولة والنقد المبني على محاسبة الذات قبل مساءلة الآخر.
أما نافل القول، فلا خلاص لنا من هذه الأزمة، ولا مخرج أمامنا من حرب المصافعة اللا مهنية، إلا بمراجعة الذات أولًا قبل رجم الآخر، والمسارعة في تحويل هذا الإشتباك الخطر إلى تشبيك خلاق، يد بيد وكتف بكتف وقلب على قلب، جبهة واحدة لا جبهات يا زملاء، وحسبي أننا نمتلك الوعي والإرادة الكافية أو حتى الأهلية لخدمة مشروعنا الفني الوطني، والصالح العام.




