الفرجات يكتب: هذا ما فعله مدير سير العقبة لجعل السير آمناً عبر شارع أعجز المسؤولين
هذا ما فعله مدير سير العقبة لجعل السير آمناً عبر شارع أعجز المسؤولين
كتب أ.د. محمد الفرجات
منذ عقود، والعقبة تعيش على وقع مشكلة مرورية مزمنة وتتفاقم مع النمو وزيادة السكان على الشارع الحيوي الممتد من إشارات المنطقة التاسعة وصولاً إلى دوار السلال فدوار سمو الأميرة هيا، وبالعكس أيضا عبر المسرب المعاكس حتى الإشارات ذاتها.
شارع يمثل واجهة المدينة السياحية ومدخلها الرئيسي من وادي اليتم، يشهد يوميا مرور عشرات آلاف المركبات القادمة من عمان والبترا ووادي رم ومن داخل المدينة، مروراً بأحياء سكنية كثيفة ومؤسسات خدمية وأمنية حساسة.
لسنوات طويلة، كانت السرعات الجنونية والتجاوزات الخطرة (البتونة) وملاحقة الإشارات الخضراء – التي قد تُقطع أحياناً وهي حمراء – مشهداً يومياً يرعب السكان ويهدد أرواحهم.
أغلبية التقاطعات بلا مسارب تخزين، والجزيرة الوسطية تعاني خطأً هندسياً قاتلاً، وطلاب المدارس يعانون الرعب كل صباح وهم يحاولون عبور الشارع نحو مدارسهم، والأمر ذاته لحافلات المدارس والأب والأم الذين يوصلون أطفالهم من وإلى المدارس.
لقد كتبتُ عشرات المقالات، وأجريت لقاءات عبر الإذاعة والتلفزيون، وتحدثت مع كل المسؤولين بالسلطة المعنية.
لكن جميعهم تذرعوا بعذرٍ واحد: “ننتظر نتائج المخطط الشمولي الاستراتيجي للعقبة”.
كنت أتعجب حقاً، فهل من المنطق أن تُربط تنفيذ حلولا لشارع خطير ينتظر الموت فيه عند كل تقاطع، بخطة تنموية كبرى تُعنى بالاستعمالات والأراضي والسياحة والاستثمار والمياه والطاقة؟!
هل نحتاج إلى “خطة استراتيجية” كي نضع مطباً أمام مدرسة أو نصلح خطاً هندسياً في شارع؟!
وهل أصلا يقدم المخطط الشمولي الاستراتيجي حلولا للشوارع؟
كان المشهد مؤلماً، وشعرت بالحزن على واقع تفكير بعض المسؤولين الذين يرون الخطر ولا يتحركون، ويتذرعون بمسيات كبرى لمشاريع تبين أنهم لا يعرفوا الهدف منها.
مرت السنوات، ولم تُطرح أي عطاءات لحلول هندسية، ولم تُركب كاميرات ذكية لضبط السرعة، وبقي الشارع كما هو: قاتلٌ محتمل في أي لحظة.
وهو ليس شارعاً عادياً: فعلى جانبيه تقع مؤسسات كبرى؛ مديرية الشرطة، دائرة المخابرات، شركة تطوير العقبة، شركة الكهرباء والمياه، البنك المركزي، مديرية الصحة، مولات ومعارض سيارات... شارع يمثل نبض المدينة التجاري والسياحي، ومدخلها الحضاري لمن يأتي من عمان أو البترا أو رم.
كنت بقرارة نفسي أعلم بأن أي مسؤول سيضع مطبات على الشارع على مسؤوليته الخاصة لحماية المواطنين الأبرياء، قد يغامر بوظيفته حيث أن ذلك قد يزعج أحد كبار زوار العقبة.
توجهت بالنهاية للمقدم عاهد الصرايرة، مدير سير العقبة الحالي، وتصرف بمسؤولية وطنية وشجاعة مهنية.... عرضت عليه تفاصيل الخطر ومشاهد الحوادث اليومية، فكان رده العملي مختلفاً تماماً.
فلم ينتظر “نتائج المخطط الشمولي”، بل اتخذ القرار الإنساني والمهني في آنٍ معاً: وضع مطبات وعاكسات وشاخصات تحذيرية على طول المقطع الأخطر من الطريق، بالتنسيق مع الجهات المحلية، ولغايات أمنية مرورية تحفظ الأرواح قبل كل شيء، وعلى مسؤوليته الخاصة، وسط تخوف البعض وتحذيرهم بأن الشارع قد يمر منه ذوات ومسؤولين كبار من زوار العقبة وتزعجهم المطبات.
البعض من المواطنين أيضا تذمر في البداية من المطبات، كما يحدث دائماً عند أي إجراء تنظيمي، لكن النتائج ظهرت سريعاً:
الطلاب يعبرون الطريق بأمان، ورب الأسرة يقود سيارته مطمئناً، وحافلات المدارس أصبحت أكثر أمانا بالشارع، والسائح القادم إلى العقبة يشعر بالأمان والاحترام المروري، والمستثمر الذي يزور المدينة لا يهرب من “الرعب المروري” كما كان سابقاً.
اليوم، من يدخل العقبة عبر هذا الشارع يلحظ فرقاً حقيقياً: التزام، تناغم مروري، وانطباع حضاري عن مدينة تعرف كيف تحمي نفسها وسكانها.
نعلم جميعاً أن المطبات ليست الحل المثالي، لكنها في ظل عجز السلطات المحلية عن طرح العطاءات الهندسية أو تركيب الكاميرات الذكية، كانت الحل الواقعي المنقذ إلى أن يأتي الحل الأشمل.
لقد كنتُ، قبل عامين، قد وجهت أحد مقالاتي حول هذا الموضوع إلى جلالة الملك عبدالله الثاني، بعد شعوري بالإحباط من تجاهل الجهات المحلية للمشكلة، وفعلاً تواصل مكتب جلالته مع مفوضية العقبة آنذاك، فجاء الرد ذاته: “ننتظر نتائج المخطط الشمولي الاستراتيجي”.
واليوم، بعد كل هذا الزمن، أثبت المقدم الصرايرة أن الحسّ الميداني والقرار السليم قد يسبق “المخططات” بسنوات، وأن حماية الأرواح لا تحتاج إلى لجان وموازنات بقدر ما تحتاج إلى إرادة وضمير حي.
ويبقى الأمل أن نسمع قريباً عن حل جذري لرعب دوار السلال، ولخطورة إشارة المنطقة التاسعة التي تشهد يومياً حوادث متكررة، وأن نرى قريباً بوابة حديثة تليق بالعقبة مع جسور وأنفاق تنظم حركة الشاحنات والتريلات وناقلات البوتاس والغاز والمواد الخطرة، وتجعل الدخول إلى المدينة آمناً وسلساً.
كما ننتظر إنشاء محطة تنزيل حضارية لزوار مستشفى سمو الأمير هاشم القادمين من مدن وقرى الجنوب للعلاج، إذ ما يزالون يُجبرون على النزول عند تقاطع إشارات التاسعة الخطير في ظروف قاسية صيفا وشتاءا، وهو مشهد لا يليق بمدينة تُعدّ واجهة الأردن البحرية والسياحية.
لقد أعاد مدير السير المقدم عاهد الصرايرة التوازن إلى مفهوم الأمن المروري في العقبة، وأثبت أن العمل الميداني الجادّ قادر على حماية الأرواح ورفع مستوى الالتزام، وأن الحلول قد تكون بسيطة لكنها عظيمة الأثر.
تحية لكل من يعمل بصمت، ويؤمن أن وظيفة المسؤول ليست انتظار المخططات، بل حماية الناس، وصناعة الأمان في شوارع مدينتهم.
أشكر كل من دعم قرار مدير سير العقبة من مفوضية العقبة والمحافظة والتطوير والجهات الأمنية ومن المواطنين الكرام.
حمى الله الوطن وقائد الوطن




