الرواشدة يكتب: حين تسقط الشعارات في فخ الأيديولوجيا.. ما جرى أمام سفارة مصر بتل أبيب لم يكن بريئا

الرواشدة يكتب: حين تسقط الشعارات في فخ الأيديولوجيا.. ما جرى أمام سفارة مصر بتل أبيب لم يكن بريئا

بقلم: راشد الرواشدة

ما حدث أمام السفارة المصرية في تل أبيب لا يمكن وصفه إلا بالعبث السياسي والأيديولوجي، حيث تتداخل الشعارات مع الأجندات، وتتقاطع النوايا مع المصالح، في مشهد يعكس انزلاقا خطيرا في بوصلة النضال الفلسطيني، وتحولا مريبا في مفهوم المقاومة، من مواجهة الاحتلال إلى محاولات خلط الأوراق وتصفية الحسابات مع دول عربية شقيقة.

فأن تخرج تظاهرة لما تسمى بـ"الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني"، وهي امتداد فكري وتنظيمي لجماعة الإخوان، للمطالبة بفتح معبر رفح، في وقت تشهد فيه إسرائيل أعنف موجات التنديد الدولي على خلفية جرائمها في غزة، هو خدمة مجانية ومباشرة لحكومة نتنياهو، ومحاولة فاضحة لتقديم طوق نجاة سياسي وإنساني لها، بعد أن وصلت إلى أدنى مستويات الشرعية في نظر المجتمع الدولي.

لقد بات واضحا أن هذه التظاهرة، التي أجيزت رسميا من سلطات الاحتلال، لم تكن موجهة ضد من يقتل الفلسطينيين، ولا من يحاصرهم ويقصفهم ويجوعهم، بل جاءت لتوجيه سهام النقد إلى مصر، التي ما زالت تتحمل الكلفة الإنسانية والسياسية للدفاع عن القضية الفلسطينية، وتفتح حدودها لاستقبال المساعدات، وتفاوض من أجل وقف إطلاق النار، وتتصدى لمحاولات التهجير والتصفية.

إن التوقيت والمكان والدلالات، كلها تشير إلى أن ما جرى لم يكن بريئا، بل يحمل أبعادا أيديولوجية وانحيازا لحسابات حزبية ضيقة، تتماهى - ولو ضمنيا - مع مصالح الاحتلال، وتُسهم في حرف الأنظار عن العدو الحقيقي، وتوجيهها نحو أطراف عربية تعمل جاهدة على تخفيف معاناة الفلسطينيين، وتحقيق الحد الأدنى من التماسك السياسي في المشهد المعقد.

إن محاولات التشويش على الدور المصري، وإظهاره بمظهر المعرقل أو المتواطئ، هو تشويه متعمد ومكشوف الأهداف، فالقاهرة لم تتخلَّ يومًا عن غزة، ودافعت عن الحق الفلسطيني في كل المحافل.

ما نشهده اليوم هو تماهٍ خطير بين بعض الفصائل الفلسطينية المتشددة وحكومة نتنياهو، في رفضهما لأي حلول سياسية واقعية، وفي تعنتهما إزاء أي مبادرة تهدف إلى حماية المدنيين وحقن الدماء، والأخطر من ذلك، أن بعض وسائل الإعلام الممولة من جماعة الإخوان، تسعى لتضخيم هذا المشهد، وتقديمه كأداة ضغط ضد مصر، في إطار مخطط أوسع يهدف إلى خلخلة الصف العربي، وتشويه الدول الداعمة لفلسطين، واستغلال حالة الغضب الشعبي لتصفية حسابات تاريخية وتنظيمية، لا علاقة لها بمصلحة الشعب الفلسطيني.

إن ما حدث أمام السفارة المصرية في تل أبيب ليس فعلا نضاليا، بل عبث أيديولوجي يهدد بخلط الأوراق وإرباك المشهد، ويخدم إسرائيل، وهو جرس إنذار لكل من يعنيه الأمر بأن الصراع مع الاحتلال لا يُدار بالحناجر المشبوهة ولا بالشعارات المنحرفة، بل بوحدة وطنية، ورؤية عقلانية، وشراكة عربية حقيقية.