الذهب في قلب التحولات العالمية.. قراءة استراتيجية في زمن الفائدة المتراجعة
درب الأردن - عاد الذهب ليحتل موقعا متقدما في الأسواق المالية، مدفوعا بتزايد الإقبال عليه كملاذ آمن، وترقّب السياسات النقدية الأميركية، وتراجع الثقة في أدوات الاستثمار التقليدية. هذا الارتفاع في سعر الأوقية لا يُعد مجرد حركة فنية، بل يحمل دلالات استراتيجية تستحق التوقف والتحليل، وذلك بحسب الاقتصادي أشرف حسنين، وتاليا التحليل:
خلفية السوق: من التراجع إلى الارتداد
شهدت أسعار الذهب الفوري ارتفاعًا بنسبة 1.4% لتصل إلى نحو 4007 دولار للأوقية، بعد أن لامست أدنى مستوياتها منذ أوائل تشرين الأول، هذا التراجع المؤقت شكّل نقطة جذب للمستثمرين الذين أعادوا توجيه مراكزهم نحو الذهب، مستفيدين من انخفاض الأسعار. كما ارتفعت العقود الآجلة لتسليم ديسمبر بنسبة 1.05%، ما يعكس تفاؤلًا نسبيًا في أوساط المتعاملين.
دوافع التحول: لماذا الذهب الآن؟
يرى مراقبون أن هناك 3 محركات رئيسية وراء هذا التحول: التوترات الجيوسياسية والاقتصادية: تصاعد التوترات التجارية والمخاطر السياسية دفع المستثمرين نحو الذهب كأداة تحوّط، خاصة في ظل ضعف الدولار الأميركي.
سياسات البنوك المركزية: شراء الذهب من قبل البنوك المركزية يعكس تراجع الثقة في الدولار والسندات الحكومية، ويعزز مكانة المعدن في الاحتياطيات الرسمية.
بيئة الفائدة الحقيقية: انخفاض الفائدة الحقيقية يجعل الذهب أكثر جاذبية، خصوصًا في ظل توقعات بخفض الفائدة الأميركية، ما يقلل تكلفة حيازة الذهب ويزيد من الطلب عليه.
تحديات قائمة: هل يستمر الاتجاه الصاعد؟
رغم الزخم الحالي، يحذر محللون من جملة تحديات قد تعرقل استمرار الصعود:
تعديل مراكز المستثمرين قصيري الأجل قد يؤدي إلى تصحيحات سعرية.
اختراق مستويات الدعم أو المقاومة الفنية قد يفتح المجال لتقلبات حادة.
مفاجآت في بيانات النمو أو التضخم قد تدفع الفيدرالي لتغيير مسار الفائدة.
تحسن أداء الأسهم أو السندات قد يقلل من جاذبية الذهب.
ضعف الطلب الصناعي والمجوهرات يحد من الدعم غير الاستثماري للسوق.
قراءة فنية: بين المقاومة والدعم
من الناحية الفنية، يشكّل مستوى 4000 دولار منطقة مقاومة نفسية، فيما قد يؤدي التراجع دون هذا المستوى إلى توقف مؤقت في الزخم الصاعد. السيناريوهات المحتملة تتراوح بين استمرار الصعود نحو 4200 دولار، أو تصحيح نحو 3800 دولار في حال صدور بيانات اقتصادية إيجابية أو تشدد في السياسة النقدية.
توصيات استراتيجية: كيف يتعامل المستثمرون؟
ينصح خبراء الاستثمار باتباع نهج متوازن في التعامل مع الذهب:
تنويع المحفظة: استخدام الذهب كعنصر دفاعي ضمن مزيج من الأصول.
الشراء أثناء التراجع: اغتنام فرص الدخول عند انخفاض الأسعار بدلًا من الشراء في الذروة.
التركيز على الأمد الطويل: الاستثمار الاستراتيجي أكثر جدوى من المضاربة السريعة.
متابعة السياسات النقدية والجيوسياسية: الاستعداد لتغيرات مفاجئة في الفائدة أو الأحداث العالمية.
إدارة المخاطر: تحديد حدود الخسارة وتخصيص نسبة معتدلة من المحفظة للذهب.
مستقبل الذهب: بين التفاؤل والتحفظ
رفعت مؤسسات مالية كبرى توقعاتها لسعر الذهب، حيث تتوقع J.P. Morgan وGoldman Sachs وصوله إلى نحو 4000 دولار بحلول منتصف 2026، مدعومًا بشراء البنوك المركزية وضعف الدولار، في المقابل، يرى بعض المحللين أن التصحيح قد يبدأ قريبا، مع احتمال تراجع السعر إلى 3500 دولار في سيناريو سلبي.
خلاصة تحليلية
التحرك الحالي في أسعار الذهب يعكس تحولات أعمق في الاقتصاد العالمي، من ضعف الدولار إلى تزايد المخاطر الجيوسياسية، ومن تغير توجهات البنوك المركزية إلى إعادة تقييم أدوات الاستثمار. وبين التفاؤل والحذر، يبقى الذهب خيارا استراتيجيا لا يخلو من المخاطر، لكنه يظل أحد أبرز أدوات التحوّط في زمن التقلّب.




