مستقبل العقبة السياحي في ظل التغير المناخي: التحديات والحلول الذكية

مستقبل العقبة السياحي في ظل التغير المناخي: التحديات والحلول الذكية
كتبت رهام العمريين
تواصلت مع البروفيسور محمد الفرجات، وتساءلت في ظل موجات الحر التي تمر بها المملكة والعقبة تحديدًا، عن مستقبل السياحة في منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة، وسبل التكيف والتعايش، وتطوير المنتج السياحي والخدمات، ضمانًا لاستدامة جاذبية العقبة سياحيًا، سواء للسياحة الداخلية أو الخارجية.
وقد توصلنا إلى ما يلي:
تتمتع العقبة بموقع استراتيجي على البحر الأحمر، وبمقومات طبيعية وسياحية تجعلها وجهة رئيسية للسياحة الشاطئية، الغوص، والمغامرات البحرية. لكن التغير المناخي بات يشكل تهديدًا مباشرًا لهذا القطاع، حيث تتزايد موجات الحر، وترتفع درجات الحرارة السطحية للبحر، وتتغير أنماط الرياح والأمطار، ما يؤثر على راحة السائح، سلامته، وجودة التجربة السياحية.
إن قراءة مستقبل العقبة السياحي في ضوء هذه التحديات تتطلب الجمع بين العلم المناخي وإدارة الوجهة السياحية، لوضع حلول ذكية تحافظ على تنافسية المنتج وتضمن استدامته.
أولًا: المتغيرات المناخية المؤثرة على العقبة
1. موجات الحر
تزايد في طول مدة الموجات وارتفاع شدتها، مع تسجيل درجات حرارة قد تتجاوز 45°م في الصيف.
زيادة خطر الإجهاد الحراري للسائح، خاصة في الأنشطة المكشوفة مثل الشاطئ، الرحلات البحرية، والمشي في الكورنيش.
2. ارتفاع درجة حرارة مياه البحر الأحمر
التأثير على الشعب المرجانية التي تشكل أحد أهم عناصر الجذب في العقبة.
احتمالية انخفاض تنوع الحياة البحرية بسبب ظاهرة "ابيضاض المرجان" coral bleaching.
3. التغير في أنماط الرياح والتيارات البحرية
زيادة أيام العواصف الرملية أو الغبارية القادمة من الصحراء.
تغير ظروف الغوص والرياضات البحرية من حيث الرؤية والسلامة.
4. التغير في الرطوبة النسبية
زيادة الشعور بالحرارة في فترات معينة مما يحد من الراحة المناخية للسائح.
5. التغير في معدلات الأمطار والفيضانات المفاجئة
وعلى الرغم من الشوط المتقدم الذي قطعته العقبة بهذا المجال فنيا، فيبقى خطر حدوث سيول مفاجئة في بعض أحياء العقبة أو على الطرق المؤدية إليها قائما، مما يضر بالبنية التحتية السياحية.
ثانيًا: إحتمالات تأثير المتغيرات المناخية على المنتج السياحي والخدمات
عنصر المنتج السياحي التأثير المناخي النتيجة المحتملة
الأنشطة الشاطئية وموجات الحر، ارتفاع حرارة المياه، انخفاض مدة بقاء السائح على الشاطئ، احتمالية انسحاب سياح منتصف الموسم،
الغوص والسنوركلينج، ابيضاض المرجان، تغير الرؤية تحت الماء وتراجع الجذب البيئي وتنافسية العقبة مع وجهات البحر الأحمر الأخرى.
السياحة البحرية (القوارب واليخوت) رياح قوية، حرارة مرتفعة انخفاض الطلب في فترات معينة من العام
المهرجانات والفعاليات الخارجية ارتفاع الحرارة، عواصف غبارية تقليص الفعاليات النهارية أو نقلها لأماكن مغلقة
البنية التحتية الفندقية ضغط على التكييف وزيادة استهلاك الطاقة ارتفاع الكلفة التشغيلية وتراجع الكفاءة البيئية
ثالثًا: تحليل الثغرات في استجابة العقبة
1. غياب خطة مناخية سياحية شاملة تحدد الفترات الحرجة وتعيد تصميم برامج الجذب وفق المواسم المناخية.
2. ضعف البنية التحتية للتظليل والتبريد في الأماكن العامة (ممشى الكورنيش، الشواطئ العامة).
3. قلة الاعتماد على الطاقة المتجددة لتغطية الطلب الزائد على الكهرباء في فترات الحر.
4. تسويق موسمي محدود يركز على أشهر الذروة التقليدية (الشتاء والربيع) دون الترويج لفترات بديلة.
5. عدم تكييف المنتج البحري لمواجهة تغير حرارة المياه وتراجع المرجان.
رابعًا: الحلول الذكية للتكيف
1. حلول مرتبطة بالمنتج السياحي
إعادة تصميم الشواطئ العامة والفنادق بإضافة مظلات كبيرة، رذاذ تبريد، وأرضيات عاكسة للحرارة.
تنويع المنتج السياحي ليتضمن أنشطة داخلية مكيفة مثل المتاحف المائية، المراكز العلمية البحرية، والأنشطة الترفيهية المغلقة.
ابتكار تجارب بحرية ليلية (رحلات غوص أو مشاهدة الحياة البحرية تحت الإضاءة الخاصة) لتجنب ساعات الذروة الحرارية.
2. حلول تقنية
اعتماد الطاقة الشمسية في المنتجعات والمرافق العامة لتقليل الكلفة وزيادة الاستدامة.
مراقبة حالة المرجان باستخدام الذكاء الاصطناعي لإدارة المواقع الحساسة وتحديد أوقات الغوص الأنسب.
إنشاء محطات تبريد مجتمعية في الممشى والكورنيش تعمل بالطاقة المتجددة.
3. حلول تسويقية
تسويق العقبة كوجهة صيفية مسائية/ليلية، مع عروض على السياحة المسائية والمغامرات البحرية المسائية.
إعادة جدولة المهرجانات لتتوافق مع النوافذ المناخية المناسبة.
الترويج لفصول "الانتقال المناخي" مثل أيلول/أكتوبر وأبريل/مايو كأوقات مريحة للسياحة.
4. حلول تشاركية
شراكات مع الجامعات ومراكز الأبحاث لمتابعة المؤشرات المناخية وتأثيرها على السياحة.
إشراك المجتمع المحلي في تقديم خدمات مبتكرة للسياح مثل النقل المظلل، نقاط الماء البارد، والجولات الليلية.
يعتبر مستقبل العقبة السياحي مرهونًا بقدرتها على التحول من التكيف السلبي (التعامل مع آثار المناخ بعد حدوثها) إلى التكيف الاستباقي (تصميم المنتج والخدمات لتكون مقاومة لآثار تغير المناخ). موجات الحر مثال حي على أن المنافسة في السوق السياحي العالمي لن تكون فقط على جودة المنتج أو السعر، بل على قدرة الوجهة على تأمين تجربة آمنة ومريحة ومستدامة في ظل التغير المناخي.
إن دمج التكنولوجيا، إعادة تصميم البنية التحتية، وتبني تسويق ذكي، كلها عناصر ستجعل العقبة وجهة مرنة قادرة على الاستمرار في الجذب السياحي حتى في ظل أشد السيناريوهات المناخية.