الذكاء الاصطناعي – ما يبدو ليس هو ما هو عليه

الذكاء الاصطناعي – ما يبدو ليس هو ما هو عليه

الذكاء الاصطناعي – ما يبدو ليس هو ما هو عليه
 
سندیب واسلكار
 
خلال الأشهر الماضية، حضرتُ عدة مؤتمرات أعمال، من الملتقى العالمي لرواد الأعمال في دبي إلى الاجتماع السنوي لهوراسيس في ساو باولو.
 أصبح الذكاء الاصطناعي اليوم الكلمة الرائجة الجديدة في عالم قادة الأعمال، لكن ما يثير الدهشة هو أن فهم معظم هؤلاء القادة لماهية الذكاء الاصطناعي ما زال سطحيًا للغاية.
 
في تلك المؤتمرات، تحدّث القادة عن كيفية تأثر سلوكهم بالذكاء الاصطناعي، أو كيف يمكنهم “تعليم” الذكاء الاصطناعي، أو كيف ستتولى أنظمة الذكاء الاصطناعي “الوكيلة” تنفيذ مهامهم المكتبية.
هذه النقاشات تدور حول نماذج مثل ChatGPT وغيرها، أي حول المستوى المتوسط من طيف الذكاء الاصطناعي. والمفاجئ أن القادة بالكاد يتحدثون عن نماذج الذكاء الاصطناعي الضيق (Narrow AI) التي تقدم فوائد ملموسة في المزارع والمستشفيات، أو عن النماذج العلمية العليا التي ستُغيّر مفهوم الحياة نفسها على الأرض وما بعدها.
إن سباق التسلح في الذكاء الاصطناعي لا يدور حول النماذج الحوارية مثل ChatGPT أو Gemini أو Grok، بل حول الذكاء الاصطناعي العلمي. اسأل بيتر ثيل، ديميس هاسابيس، إيلون ماسك، ونظراءهم في الصين وكوريا، وستعرف أن هذا هو ميدان الصراع الحقيقي.
 
الذكاء الاصطناعي الضيق والذكاء الاصطناعي العلمي
 
في باراماتي بولاية ماهاراشترا، وفي العديد من المناطق الريفية في الهند، يتلقى المزارعون اليوم تحذيرات مبكرة حول أنماط الطقس وهجمات الجراد وحالة التربة عبر تطبيقات هاتفية. تعتمد هذه التطبيقات على نماذج ذكاء اصطناعي مستضافة في منصات سحابية مثل مايكروسوفت وأمازون، تم تكييفها محليًا مع بيانات المزارع.
قال براتابراو باوار، الذي يقود هذا المشروع في باراماتي، خلال مؤتمر دبي إن الإنتاجية زادت بنسبة 40%. ويمكن تقليل الاعتماد على الخدمات السحابية الأجنبية إذا تم استخدام التعلم الموزّع (Federated Learning) في مثل هذه المشاريع.
الذكاء الاصطناعي المستخدم في هذه المزارع هو ذكاء اصطناعي ضيق، تم تطويره قبل اختراع ChatGPT.
 
في لندن، يعمل فريق DeepMind على استخدام اكتشافاتهم في بنية البروتين كأساس لأبحاث مستقبلية، ضمن سلسلة من النماذج “Alpha” التي تكتشف الصيغ الرياضية، وتحلل الجينوم البشري، وتفكك بنية الأرض. النموذج Alpha Evolve، الذي أُطلق في مايو 2025، يمكنه تعديل شفرته ذاتيًا.
 
أما في سيول، فقد شكّل العالم الشاب مينهيونغ لي (23 عامًا) فريقًا من طلاب المدارس الثانوية والجامعات لتطوير نموذج أساس يُدعى Spacer، مصمم لتوليد أفكار بحثية أصلية في علم الأحياء والكيمياء. استخدم الفريق 180,000 ورقة بحثية وتمويلًا أوليًا بقيمة 3.5 مليون دولار — وهو مبلغ ضئيل مقارنة بمشروع Stargate الذي أطلقه الرئيس الأمريكي السابق ترامب باستثمار قدره 500 مليار دولار.
تُعد نماذج DeepMind وSpacer أكثر تقدمًا علميًا من أي شيء أنتجته OpenAI أو XAI أو DeepSeek أو Baidu أو Alibaba حتى الآن.
 
وفي بكين، يعمل علماء من الأكاديمية الصينية للعلوم على تطوير نموذج يُسمى Spiking Brain. وإذا نجحوا، سيكون بالإمكان إنشاء ذكاء اصطناعي يحاكي الشبكات العصبية الحقيقية ويستخدم جزءًا صغيرًا فقط من البيانات التي تعتمد عليها النماذج اللغوية الضخمة الحالية.
 
قد تؤدي بعض هذه الاكتشافات المستقبلية إلى خفض هائل في استهلاك البيانات والطاقة، والمساعدة في علاج السرطان والأمراض المستعصية، وابتكار مصادر طاقة جديدة من المحيطات، وتطوير مواد بيولوجية قادرة على امتصاص الكربون من الغلاف الجوي.
تجري أيضًا جهود لتطوير الذكاء العصبي الرمزي (Neuro-symbolic AI)، والحوسبة العصبية الشكلية (Neuromorphic Computing)، والحوسبة الكمية (Quantum Computing).
تستثمر Nvidia بكثافة في “الحوسبة الكمومية”، وكذلك شركات صينية وكورية، رغم شح المعلومات العلنية حول مشاريعها. وإذا نجحوا، فإن مشهد الذكاء الاصطناعي العالمي سيتغير جذريًا — إذ ستصبح كثير من مراكز البيانات ومحطات الطاقة الحالية عديمة الجدوى.
 
لن يكون بإمكاننا التفاعل مع هذه النماذج العلمية أو الكمية كما نتفاعل مع ChatGPT وأشباهه، فهي أكثر تقدمًا من الذكاء الوكيلي (Agentic AI) الذي يتحدث عنه الجميع اليوم.
من يسيطر على هذه النماذج، سيسيطر على مستقبل البشرية.
النماذج الضيقة المستخدمة في الزراعة أو التشخيص الطبي تقع في أحد طرفي الطيف، والنماذج العلمية مثل Alpha وSpacer وSpiking Brain تقع في الطرف الآخر، أما النماذج الحوارية مثل ChatGPT فتقع في المنتصف.
مساواة الشات بوت بالذكاء الاصطناعي يشبه القول إن شاشة الحاسوب هي الحاسوب نفسه، متجاهلين وحدة المعالجة المركزية.
 
أيام البشرية الأخيرة؟
 
قد تُحدث نماذج الذكاء الاصطناعي العلمي ثورة في الحياة كما نعرفها خلال عقد أو عقدين، لكنها قد تنهيها أيضًا.
إذا لم تُنظَّم هذه التقنيات جيدًا، يخشى خبراء السلامة من احتمال أن تُنتج نماذج قادرة على ابتكار عوامل بيولوجية خارجة عن السيطرة، أو خوارزميات خادعة يمكنها تجاوز أنظمة الحماية في مراكز اتخاذ القرار الخاصة بالأسلحة النووية.
 
من المحتمل أيضًا أن تنتقل بعض هذه النماذج من تطور الخوارزميات ذاتيًا إلى تكاثرها ذاتيًا.
في اليوم الذي يستيقظ فيه العالم ليكتشف أول خوارزمية ذكاء اصطناعي قادرة على التكاثر الذاتي، سيكون ذلك بداية نهاية هيمنة الإنسان على الكوكب.
عندها، ستنتهي سباقات البشر من أجل السيطرة على العلم، وتبدأ سباقات العلم من أجل السيطرة على الإنسان.
مؤخرًا، قال سام ألتمان (الرئيس التنفيذي لـ OpenAI) إن شيئًا “جذريًا” قد يحدث في السنوات المقبلة، دون أن يفصح عما يقصده.
لديه اطلاع على ما يجري في مختبرات OpenAI، وإن كان يقصد إمكانية التكاثر الذاتي أو قدرات الخداع الهائلة الكامنة في النماذج، فهو يتحدث عن خطر قد يوازي حربًا نووية عالمية.
 
سواء جلب الذكاء الاصطناعي في المستقبل خيرًا للبشرية أو فوضى شاملة، فإن العالم المقبل سيكون مختلفًا جذريًا عن عالم اليوم — عالم الشات بوت، ومراكز البيانات، ومحطات الطاقة الصغيرة، وأجهزة الذكاء الاصطناعي التي تصيغ الرسائل أو تكتب الشعر أو المرافعات القانونية.
فإذا كان الذكاء الاصطناعي الحالي قادرًا على التأثير في أفكارنا، فإن الذكاء الاصطناعي القادم قد يكون قادرًا على التحكم في حياتنا — أو إنهائها تمامًا.