الواكد يكتب: وزير الزراعة امام مفترق صعب ...مرة أخرى 

الواكد يكتب: وزير الزراعة امام مفترق صعب ...مرة أخرى 

وزير الزراعة امام مفترق صعب ...مرة أخرى 
ليث الواكد
كتبت الصحفية المبدعة رندا الحتاملة مقالا بعنوان " وزير الزراعة أمام مفترق صعب " و تطرقت من خلاله الى عدة محاور اهمها التغير المناخي الذي يؤثر مباشرة على الانتاج الزراعي و ربطه بصندوق المخاطر و كذلك محور اكاديمية الوزير أمام لهيب الواقع و الارث المزدوج الذي وجده أمامه.  اشكرها على فطنتها الصحفية و مقالها الذي يستحق التمعن به و دراسته.
و للاسهاب في الموضوع ، أود أن أذكر في هذا المقام بعض النقاط التي قد تساعد في تخطي الأزمات المتلاحقة و توظيف "الاكاديمية" بالواقع الأليم للزراعة الاردنية (بالرغم من الارقام المعلنة) .
أولاً: البنية التحتية 
 و بعد أن وصلنا إلى مراحل متقدمة في البنية التحتية من حيث ضبط الاسواق و مشاغل التوضيب و التعبئة و خدمات الري الحكومية في المناطق المروية (الأغوار)  ومراقبة الابار الجوفية بفاعلية و حكمة و توفير العمالة اللازمة و غيرها من الامور التي أوصلت الاردن الى ذروة الانتاجية لوحدة المساحة او للعائد من المتر المكعب من المياه، نجد انفسنا قي تراجع رهيب في الخدمات المقدمة للمزارعين أدت الى عزوف البعض عن الاستمرار و تسجيل خسائر كبيرة للبعض الآخر. مسؤولية الحكومة عن طريق وزارتي الزراعة و المياه في اعادة الألق لقطاع الزراعة مسؤولية عظيمة و بحاجة الى نهضة بكل ما تحمل الكلمة من معنى. لا بد من اعادة النظر في ادارة و مراقبة الاحواض الجوفية و تحديد المساحات المزروعة لضمان توفير أكبر في المياه (مياه الشرب)، و ضبط العملية الانتاجية التي أصبحت ذات طابع فوضوي و غير محكوم لا للاسواق الخارجية ان وجدت و لا للاستيعاب المحلي. أما قضية الاسواق المركزية ، فلقد آن الأوان لضبطها و استعادة العمل التسويقي الشريف الذي يراعي المزارع و الوسيط و التاجر و المستهلك حيث لا يقبل اطلاقا ان يكون المزارع هو الحلقة الاضعف في هذه المعادلة. أما عن خدمات الري في الأغوار ، فحدث و لاحرج ، من تجاهل للمزارع، الى مقننات مائية ظالمة، الى تهتك البنية التحتية بشكل مرعب الامر الذي ينذر بكارثة زراعية و بيئية و اجتماعية. لا بد من اعادة تأهيل منشآت الري المقامة من أواخر السبيعينيات و هذا التأهيل يجب أن يكون بدرجة عالية من الجودة والمهنية و العلمية و التطبيقية حيث يعلم الجميع بأن ما تم تأهيله لم يرتقِ الى خُمس جودة ما كان سابقا و أصبحنا نترحم على أيام ما قبل التأهيل. و الحديث عن العمالة الوافدة هو حديث يطول شرحه و الجميع يعاني منه، لأن المزارع دفع ثمن أطماع تجار العقود و أصدرت القرارات و راح الصالح بعزا الطالح.
ثانياً: صندوق المخاطر
هدفه سامي و نبيل و هو مصلحة للجميع دون استثناء. لكن الأجدى أن نجد الحلول للكوارث قبل وقوعها، و في حال وقعت، لا قدر الله،  يكون التأثير محدود و التعويض من قبل الصندوق "مقدور عليه".
كيف نجد الحلول؟ للاجابة على هذا السؤال ، لا بد من الاطلاع على تجارب الآخرين و تطويعها لتناسب الحالة الاردنية بكل تفاصيلها. فمثلا ، كيف تنتج هولندا هذا الكم الهائل من الخضار علما بأن شمسهم لا تطلع عليهم في أغلب الأحيان ، و الثلج و الصقيع هو السائد في حالتهم المناخية. كيف تنتج اسبانيا في ظل ظروف الجفاف و الحرارة العالية و غيرها من المعوقات ، كيف تنتج شقيقتنا مصر التي بلغت صادراتها قرابة العشرة مليارات و على رأس صادراتها الحمضيات و البطاطا و البصل! 
اعتقد بأن أهم عامل لتفادي بعض الكوارث الطبيعية التي هو التسويق الصحيح و الذي يضمن أرباح مناسبة للمزارع الامر الذي يساعده في الاستثمار في الوسائل التي تساعده في الحد من ضربات الصقيع أو موجات الحرارة العالية أو غيرها. لا يمكن للمزارع في هذه الظروف القاسية أن يكون قادراً على المواجهة و ليس باستطاعته تأمين قوت عائلته.
العامل الثاني هو توجيه المشاريع الممولة لما فيه مصلحة البلد و المزارع. هناك الكثير من الاجراءات التي يمكن اتخاذها في مناطق الانتاج الزراعي للتخفيف من وطأة التغير المناخي. فعلى سبيل المثال لا الحصر، أغطية التظليل الزراعية التي تساعد في تخفيف الاشعاع الشمسي و تقليل حركة الرياح التي تجهد النبات و تجبر المزارع على زيادة استهلاك المياه بطرق مشروعة و غير مشروعة (التجارب الميدانية في المفرق أثبتت توفير 40% في استهلاك المياه) . ماذا لو قام أحد المشاريع بتيني فكرة المراوح العملاقة التي تحرك الهواء الساكن عند اقتراب حدوث الصقيع وتمنع تشكله في المناطق الاكثر عرضة له.  ماذا لو تبنت هذه المشاريع تنفيذ مشروع يساعد في تحلية المياه المالحة المتوفرة في العديد من مناطق الانتاج؟ ماذا عن الاستمطار الذي بدأت الحكومة مشكورة في التفكير فيه حديثا .. 
ان استدراج و تحويل المشاريع الممولة لصالح الجمعيات الغير زراعية و لمشاريع المرأة و الاسرة و غيرها من المسميات قد أضر بالمزارع الاردني الأصيل (و هنا أقصد المزارع الذي ينتج في أرض زراعية و يستخدم مياه مخصصة للزراعة و ليس مزارعو الحدائق الذين يستخدمون مياه الشرب لغايات الزراعة و الامثلة كثيرة) حيث ذهبت المنح و المعونات هباءا منثورا دون أن يلمس القطاع أي تطور أو مساهمة في الحد من التحديات التي لازمته لسنين عديدة.
ثالثاً: الاحصاءات الزراعية
من الملاحظ و المثير أن تكون الكثير من الاحصاءات الزراعية غير دقيقة. و هذا يشمل المساحات الزراعية و النمط الزراعي و كميات الانتاج و غيرها. و كذلك معلومات الاسواق المركزية و الكميات الواردة لها. بالاضافة الى معلومات وزارة النقل/ دائرة الارصاد الجوية بخصوص الهطولات المطرية و المعلومات المناخية الأخرى. تعتبر الاحصاءات هي الركيزة الاساسية للتخطيط، و بقدر صحتها و دقتها يكون التخطيط سليم و نتائجه دقيقة.
 كنت في فترة سابقة أحد المزارعين من أصل مئة مزارع معتمدين لدى دائرة الاحصاءات العامة لأخذ المعلومات العامة التي تخص قطاع الحمضيات و لمدة ثلاثة أعوام ... أقسم لي الموظف الذي كان يعمل على هذا المشروع بأنني واحد من ثلاثة مزارعين فقط قدموا معلومات صحيحة و 97 مزارع كانت معلوماتهم خاطئة و بشكل واضح ... و الأمر الأدهى أن دائرة الاحصاءات اعتمدت النتائج!!!   آن الأوان لتكون الاحصاءات الزراعية جزء من مهام وزارة الزراعة .
إن توظيف الاكاديميا و التكنولوجيا و البحث عن مخارج للأزمات ليس بالأمر السهل، و لكنه ليس بالمستحيل اذا كان صاحب القرار عازم و جاد. نحن في عام 2025 و لا بد لنا أن نعي بأن ما هو قادم أصعب و أشرس و لا بد لحكومتنا أن تتنبه جيداً لهذا القطاع الهام و الحيوي و لا بد لاستاذي الكبير معالي وزير الزراعة بأن يبدأ خطته بتوظيف علمه و سلطته و خبرته لا أن يمشي مع التيار و يؤجل الحلول. و الله من وراء القصد و الله الموفق

                                                                                                                              ليث الواكد