الفرجات يكتب: مصر العظيمة أرضًا وشعبًا؛ عملاق قادم بقوة بعقول أبناء أرض الكنانة

 مصر العظيمة أرضًا وشعبًا؛ عملاق قادم بقوة بعقول أبناء أرض الكنانة

كتب أ.د. محمد الفرجات 

عبر آلاف السنين، وقفت مصر شامخة كمهدٍ للحضارة، ومعبرٍ للتاريخ، ومصدرٍ للمعرفة والفنون. واليوم، وعلى الرغم من التحديات، فإن هذه الدولة ذات الجذور العميقة تستعد لمرحلة جديدة من النهوض، ليس فقط بثقلها الجغرافي أو السكاني، بل بعقول وسواعد أبنائها الذين يعيدون تعريف التنمية والإبداع في الوطن العربي.

1. القوة السكانية كفرصة تنموية

يبلغ عدد سكان مصر أكثر من 106 ملايين نسمة (2025)، وتشير الإحصائيات إلى أن أكثر من 60% من السكان تحت سن 30 عامًا، ما يجعلها واحدة من أكثر الدول شُبابًا في المنطقة. هذه الطاقة البشرية تمثل فرصة هائلة إذا أُحسن استثمارها، وهو ما بدأ يتحقق في قطاعات التكنولوجيا، والتعليم التقني، وريادة الأعمال.

2. التعليم والمعرفة: التحول من الكم إلى الكيف

رغم ما يواجهه التعليم من تحديات، فإن مصر سجلت تطورات ملحوظة خلال العقد الأخير:

30 جامعة حكومية وخاصة ودولية تُخرج سنويًا أكثر من 600 ألف طالب.

ارتفاع في الإقبال على التعليم الفني والتكنولوجي، مع إنشاء 10 جامعات تكنولوجية جديدة خلال خمس سنوات.

توسع في تدريس علوم البرمجة والذكاء الاصطناعي في المدارس والجامعات.

ووفقًا لتقرير المعرفة العربي، ارتفع مؤشر التعليم العالي في مصر بنسبة 11% خلال السنوات الخمس الماضية، في دلالة على توجه استراتيجي نحو تحسين المخرجات التعليمية.

3. الابتكار وريادة الأعمال: شباب يصنعون الفارق

تحتل مصر اليوم مركزًا متقدمًا عربيًا في نمو الشركات الناشئة:

تُعد ثاني أكبر بيئة حاضنة للشركات الناشئة في إفريقيا بعد نيجيريا.

في عام 2023، بلغ إجمالي الاستثمارات في الشركات الناشئة المصرية 466 مليون دولار.

نماذج مصرية شابة أبدعت في مجالات مثل التكنولوجيا المالية، التعليم الإلكتروني، الرعاية الصحية الرقمية، والذكاء الاصطناعي.

أبرز مثال: شركة SWVL للنقل الذكي، أسسها شباب مصريون، وأدرجت في بورصة ناسداك، وهي قصة نجاح عالمية انطلقت من القاهرة.

4. الزراعة والطاقة والمياه: مقومات لمستقبل إنتاجي

تمتلك مصر:

أكثر من 8.5 مليون فدان من الأراضي الزراعية، منها ملايين تعتمد على الري من النيل.

إمكانات ضخمة في الطاقة الشمسية والرياح؛ حيث تعد من أكثر الدول إشراقًا في العالم، بمتوسط 3,000 ساعة شمس سنويًا.

مشاريع كبرى لتحلية المياه وإعادة الاستخدام، مثل مشروع محطة الجلالة ومحطة العلمين، ضمن خطة تهدف لإنتاج 8.85 مليون متر مكعب يوميًا من المياه المحلاة بحلول 2030.

5. الصناعة والصادرات: قفزات واعدة

تجاوزت الصادرات السلعية المصرية 52 مليار دولار في 2023، وهي الأعلى تاريخيًا.

تطور في قطاعات مثل الصناعات الدوائية، والمنسوجات، والبتروكيماويات.

مبادرات لتوطين الصناعة وتعميق المكوّن المحلي في قطاعات مثل السيارات الكهربائية والإلكترونيات.

6. التكنولوجيا والتحول الرقمي: بنية تحتية لعصر جديد

وصلت نسبة انتشار الإنترنت إلى 75% من السكان.

تعمل مصر على بناء مدينة "المعرفة" في العاصمة التكنولوجية، كمركز للبحث والابتكار الرقمي.

استخدام الذكاء الاصطناعي في قطاعات الزراعة والمياه والتعليم بدأ يأخذ حيزًا واقعيًا، بفضل شركات محلية ناشئة.

إن مصر، بتاريخها العريق وثروتها البشرية الهائلة، تتقدم اليوم بخطى علمية وعملية نحو مستقبل مختلف، يعتمد على العقل والمعرفة لا على الموارد فقط. لا تبحث عن مجد تليد لتتغنّى به، بل تصنع مجدًا جديدًا يستند إلى التعليم، والبحث العلمي، والابتكار، والعمل الجماعي.

إنها مصر الجديدة: لا تُبنى بالشعارات، بل تُبنى بالعلم والعرق والعقول الشابة.