الفرجات يكتب: قبل أن تهتز أوروبا..  أنقذوا البحر الميت وجهود الأردن مناخياً ومائيا

الفرجات يكتب: قبل أن تهتز أوروبا..  أنقذوا البحر الميت وجهود الأردن مناخياً ومائيا
الفرجات يكتب: قبل أن تهتز أوروبا..  أنقذوا البحر الميت وجهود الأردن مناخياً ومائيا

قبل أن تهتز أوروبا..  أنقذوا البحر الميت وجهود الأردن مناخياً ومائيا

كتب أ.د. محمد الفرجات


يمثل البحر الميت ظاهرة جيولوجية وبيئية فريدة على مستوى العالم، ليس فقط كونه أخفض نقطة على سطح اليابسة، بل كمخزون استراتيجي للمعادن والموارد، ومؤشر حساس على التغيرات المناخية في المنطقة. ومع استمرار تراجعه بمعدل يزيد على متر سنويًا، فإن الخطر لم يعد محليًا أو إقليميًا فحسب، بل أصبح تهديدًا ذا أبعاد عالمية، وعلى رأسها الأمن البيئي والمائي لأوروبا.

الأردن، بموارده المحدودة وإمكاناته المتواضعة، يقف في الصفوف الأمامية لمواجهة هذه الكارثة البيئية. منذ عقود يدق ناقوس الخطر محذرًا من أن استمرار جفاف البحر الميت سيؤدي إلى تداعيات خطيرة، منها تكوّن آلاف الحفر الانهدامية، تغير النظم البيئية، تفاقم التصحر، وتغيير أنماط الطقس في حوض المتوسط. وهذه الظواهر تؤثر بشكل مباشر على أوروبا، التي تعتمد على استقرار النظم المناخية في الشرق الأوسط لضبط أنماط الأمطار والتيارات الهوائية المؤثرة على مناخها.


الملخّص التنفيذي (نقاط سريعة)

البحر الميت يقع في قلب نظام صدعي إقليمي (Dead Sea Transform) تراكمت عليه طاقات زلزالية ومخاطر جيولوجية تاريخية.

تراجع مستوى مياه البحر الميت وتغيّر أحمال السطح المرتبطة به يطرحان تأثيرات جيولوجية وبيئية تزيد من تعقيد المخاطر الزلزالية الإقليمية.

العلاقة السببية بين جفاف البحر و«تحفيز زلزال عابر للقارات» معقّدة وتحتاج دراسات مخصصة، لكن تغير الأحمال السطحية يُعد عاملاً فيزيائيًا مهمًا يؤثر في توزيع الضغوط على الصدوع.

أي زلزال كبير في الحوض الشرقي للمتوسط قد يسبب أضراراً بشرية ومادية جسيمة، واضطرابات إقليمية تمتد تبعاتها إلى أوروبا (موانئ، خطوط طاقة، شبكات نقل، أسواق طاقة وسياحة).

معالجة خطر البحر الميت ليست رفاهية بيئية، بل استثمار أمني واستراتيجي لأوروبا.

الاتحاد الأوروبي مدعوّ لتمويل وبناء شراكات علمية وسياسية مع الأردن وشركائه الإقليميين، بمنهجية علمية صارمة وبدون مبالغات.


الجزء الأول — الخلفية العلمية والحقائق المؤسَّسة

1. النظام التكتوني والصدع
صدع البحر الميت التحويلي جزء من شبكة صدوع تربط شرق البحر الأحمر مرورًا بخليج العقبة وغور الأردن إلى شمال سوريا ولبنان وتركيا. هذه الشبكة موثقة جيولوجيًا وزلزاليًا بدراسات حقلية وحفريّة، وتظهر حركة تراكمية جانبية بمعدلات بالمليمترات سنويًا، تؤدي إلى تراكم إجمالي للطاقة عبر قرون.

2. التاريخ الزلزالي
سجلات تاريخية وباليوسيلزمولوجية تُظهر وقوع زلازل كبيرة في الحوض الشرقي للمتوسط، مع وجود «فجوات زلزالية» غير محررة من الإجهاد لفترات طويلة، مما يزيد من احتمالية حدوث هزات كبيرة.

3. واقع البحر الميت: انخفاض المستوى والتأثيرات المحلية
مستوى مياه البحر الميت انخفض على مدى عقود بسبب تقليص تدفق نهر الأردن، استخدام المياه الجوفية، والتبخّر الطبيعي. هذا أدى إلى تكوّن حفريات انهدامية، تقلّص المسطح المائي، تغيّر ملوحة الوسط، وتأثيرات بيئية واقتصادية ملموسة، مع تعريض البنى التحتية المجاورة لخطر الحفر والانهيار.


الجزء الثاني — كيف يمكن أن ينعكس هذا على أوروبا؟

(مسارات التأثير البنيوية)

تأثير على المخاطر الزلزالية الإقليمية:
تغيّر الأحمال السطحية قد يزيد من احتمال حدوث هزات محلية أو متسلسلة في الحوض الشرقي للمتوسط، وقد تنشأ هزات بحرية تُحدث أمواجًا ساحلية تؤثر على سواحل المتوسط وأوروبا.

تعطّل البنية التحتية الحيوية في شرق المتوسط وتأثيره على أوروبا:
المنطقة تضم موانئ رئيسية، خطوط نقل غاز ونفط، ومحطات طاقة مرتبطة بسلاسل توريد أوروبية. زلزال أو حدث ساحلي كبير قد يعرقل هذه الشبكات ويؤدي إلى تعطّل سلاسل التوريد وارتفاع تكاليف الطاقة.

هجرة واحتقان سياسي وإنساني إقليمي:
كارثة بشرية أو انهيار بنى تحتية يسبب نزوحًا داخليًا وخارجيًا، يضغط على الاستقرار الإقليمي ويؤثر على الأمن في البحر المتوسط، مما ينعكس على أوروبا عبر هجرة وأعباء إغاثة.

تأثيرات مناخية-بحرية مترابطة:
ارتفاع حرارة سطح البحر في شرق المتوسط يغير ديناميكية الحوض البحري، ويزيد خطورة العواصف الساحلية وتفاعلها مع أمواج الزلازل البحرية، مما يعقد المخاطر الساحلية.


الجزء الثالث — كيف ولماذا يجب أن يتحرك الاتحاد الأوروبي الآن؟

الأبحاث المناخية الحديثة تشير بوضوح إلى أن اختلال الغلاف الجوي في شرق المتوسط يزيد من موجات الحر في إسبانيا وإيطاليا واليونان، ويقلل من معدلات الهطول، ما يهدد الأمن الغذائي والمائي الأوروبي. البحر الميت ليس مجرد بحيرة ملحية؛ إنه منظم طبيعي للتوازن المائي الإقليمي. انكماشه السريع يعني فقدان كتلة مائية ضخمة تعدل المناخ المحلي، ويزيد من موجات الجفاف التي تنعكس على الحوض الشرقي للمتوسط وصولًا إلى أوروبا الجنوبية.

الأردن بذل جهودًا دبلوماسية وتقنية كبيرة لطرح مشاريع إنقاذ، مثل مشروع ناقل البحرين (الأحمر–الميت)، لكن التعقيدات السياسية والتمويلية أعاقت التنفيذ. لم يعد هناك وقت للانتظار.


توصيات عملية وميدانية للاتحاد الأوروبي:

دعم علمي وبيانات (أولوية فورية):
تمويل شبكة رصد إقليمية متكاملة تشمل محطات GPS، محطات زلزالية، أنظمة InSAR، ومحطات هيدرولوجية لرصد المياه. دعم دراسات نمذجة ثلاثية الأبعاد لتقييم تغير الأحمال وتأثيرها على الصدوع.

تنفيذ إجراءات تقليل خطر ميدانية:
مسح وخريطة للحفر الانهدامية، تحديث كود البناء للمنشآت الحيوية، دعم مشاريع تحلية متوافقة بيئيًا تغذي البحر الميت.

تنسيق إقليمي وسياسي:
مبادرة تجمع الأردن وفلسطين وسوريا ولبنان وقبرص وتركيا لإنشاء منصة تبادل بيانات زلزالية ومائية، ومركز تحذير متوسطي للزلازل والتسونامي.

تمويل مستدام وأطر زمنية واضحة:
آليات تمويل من الاتحاد الأوروبي وبنوك التنمية، وجدول زمني من فوري إلى طويل الأمد لبناء البنية التحتية وإجراء الدراسات والتحديثات اللازمة.


حدود اليقين العلمي والمغالطات التي يجب تجنّبها

لا يوجد دليل قاطع يثبت أن جفاف البحر الميت سيؤدي حتمًا إلى زلزال يضرب أوروبا. العلاقة معقدة بين الأحمال السطحية والإجهاد الصدعي.

تغيّر الأحمال يستحق الدراسة كنقطة خطر محتملة، لكن يجب تجنب المبالغة في التوقعات.

الدعوة قائمة على الأدلة والبيّنات، لا على إثارة الذعر.


رسالة استراتيجية ونداء أخير

البحر الميت جرس إنذار للعالم، وإنقاذه ليس خدمة للأردن فقط، بل حماية لمنظومة بيئية ومناخية تؤثر على استقرار أوروبا وشرق المتوسط معًا.


أهمية تمكين الأردن في مشروع تحلية المياه: الأبعاد السياسية والاقتصادية والتنموية والاجتماعية وتأثيرها على أوروبا

يُعتبر مشروع تحلية المياه في الأردن أحد أهم المشروعات الوطنية الاستراتيجية التي تحمل أبعادًا أعمق من كونها مجرد حل تقني لمشكلة ندرة المياه. الأردن، الذي يُعرف بأنه صمام أمان الشرق الأوسط، يواجه تحديات مائية حادة قد تؤدي إلى أزمات اجتماعية وسياسية إذا ما استمر العطش في التفاقم.

الأبعاد السياسية:
العطش الشديد وندرة الموارد المائية تُعد من العوامل التي تؤجج الاحتقان الاجتماعي وتزيد من احتمالات الاضطرابات السياسية الداخلية. في منطقة بالغة الحساسية كشرق المتوسط، يمكن أن تؤدي هذه الاضطرابات إلى تفاقم الأزمات الإقليمية، مما ينعكس سلبًا على الاستقرار السياسي في دول الجوار، وكذلك على سياسات الأمن القومي الأوروبي الذي يراقب تأثيرات الهجرة واللجوء المتزايدة.

الأبعاد الاقتصادية والتنموية:
المياه عنصر أساسي لتنمية القطاعات الحيوية مثل الزراعة والصناعة والسياحة. تحلية المياه ستوفر مصدرًا مستدامًا يخفف الضغط على الموارد الطبيعية المحدودة، ويسهم في تعزيز النمو الاقتصادي الأردني واستقرار سوق العمل. ذلك ينعكس إيجابًا على الأسواق الأوروبية عبر تقليل مخاطر اضطراب سلاسل التوريد التي تعتمد على استقرار المنطقة.

الأبعاد الاجتماعية:
ندرة المياه المتزايدة تؤدي إلى توترات اجتماعية متزايدة، حيث قد يدفع العطش السكان للخروج إلى الشارع والمطالبة بحلول سريعة، مما يزيد من احتمالات الاضطرابات المدنية. دعم مشروع التحلية يعزز من القدرة الوطنية على تأمين احتياجات السكان، ويقلل من مخاطر هذه الاحتجاجات التي قد تمتد آثارها إلى استقرار المنطقة بأكملها.

الأثر على أوروبا:
دعم الاتحاد الأوروبي وتمكين الأردن من تنفيذ مشروع تحلية المياه يعني ضمان استقرار سياسي واقتصادي في منطقة حيوية تؤثر مباشرة على أمن أوروبا، خاصةً في مواجهة موجات الهجرة الناتجة عن الأزمات البيئية والاجتماعية. الاستثمار في هذا المشروع يشكل خطوة استراتيجية تقوي الجهود الأوروبية في مكافحة آثار التغير المناخي، وتدعيم التعاون الأمني والاقتصادي مع الشرق الأوسط.


حضرة صُنّاع القرار في الاتحاد الأوروبي،

استثماركم في رصد البحر الميت، في شراكات علمية-تقنية، وفي مشاريع مائية متوازنة بيئيًا، هو استثمار في أمن الطاقة والاقتصاد الأوروبي. دعوا أوروبا تكون المبادر العلمي والمالي لهذا التحالف الحيوي، ليس لنيل ثناء فقط، بل لحماية الأمان الإقليمي الذي يخدم الجميع.