الفرجات يكتب: الأردن.. إستراتيجية عشرية نحو قطاعات تنموية بالحد الأدنى من المياه

الفرجات يكتب: الأردن.. إستراتيجية عشرية نحو قطاعات تنموية بالحد الأدنى من المياه
الفرجات يكتب: الأردن.. إستراتيجية عشرية نحو قطاعات تنموية بالحد الأدنى من المياه

 الأردن.. إستراتيجية عشرية نحو قطاعات تنموية بالحد الأدنى من المياه

كتب أ.د. محمد الفرجات 

رؤية تمهيدية:

في ظل التراجع المستمر في الموارد المائية المتاحة، وارتفاع درجات الحرارة، وتزايد عدد السكان، لم يعد خيار الاستمرار في تخصيص الحصص المائية للقطاعات التنموية بالشكل التقليدي ممكناً أو عادلاً. ومن أجل الحفاظ على توازن مائي وتنموي، فإن الهدف يجب أن يكون الوصول إلى "نسبة عادلة ومستدامة" من التخصيص المائي لهذه القطاعات، تضمن بقاءها الحيوي من جهة، وتمنح الأولوية للمياه المنزلية والصحية والبيئية من جهة أخرى. وتقترح الرؤية الوصول إلى تخفيض تدريجي لحصة المياه المخصصة للزراعة والصناعة والسياحة بنسبة 30% على مدى 10 سنوات، مع تعويض هذه القطاعات بأنشطة بديلة أو تقنيات كفؤة تحقق نفس أو أفضل العائد الاقتصادي والاجتماعي بأقل استهلاك مائي.

واقع المياه وتأثيره على قطاعات التنمية:

الزراعة: يستحوذ القطاع الزراعي على نحو 50% من إجمالي المياه العذبة في الأردن، لكنه لا يُسهم إلا بحوالي 5% من الناتج المحلي الإجمالي. ومع تراجع كميات الأمطار السنوية بنسبة تصل إلى 20% في بعض المناطق، وتقلص مواسم الهطل وتغير خارطة التوزيع الجغرافي للأمطار، أصبحت مساحات واسعة من الأراضي الزراعية مهددة بعدم الاستدامة. على سبيل المثال، تراجع إنتاج الأغوار الشمالية من الخضراوات بنسبة تتجاوز 25% في آخر خمس سنوات، فيما يُتوقع اختفاء بعض الزراعات التقليدية كالفواكه الموسمية بسبب عدم كفاية المياه.

الصناعة: يُستهلك في القطاع الصناعي نحو 10% من المياه، خصوصاً في صناعات الألبان، الأغذية، التعدين، والصناعات الكيماوية. وتواجه هذه القطاعات حالياً تقنيناً متزايداً في الحصص المائية، ما يرفع كلف الإنتاج، ويؤثر سلباً على تنافسية المنتج المحلي، ويحد من فرص التوسع الاستثماري. على سبيل المثال، أُجبرت بعض المصانع في سحاب والموقر على خفض إنتاجها بسبب نقص المياه اللازمة في عمليات التبريد والتنظيف.

السياحة: يعتمد قطاع السياحة، وخصوصاً السياحة العلاجية والبيئية، على توفر المياه سواء في الفنادق والمنتجعات أو في المواقع الطبيعية كالبحر الميت، والحمامات المعدنية. ومع انخفاض منسوب البحر الميت بأكثر من متر سنوياً، وجفاف بعض العيون المعدنية، فإن خسائر السياحة المرتبطة بالمياه باتت ملموسة، وقد تتصاعد إذا لم تُعالج بشكل منهجي. قطاع السياحة يشغل حوالي 53 ألف عامل بشكل مباشر، وأكثر من 100 ألف بشكل غير مباشر، ما يجعله حساساً لأي اضطرابات في البنية التحتية المائية.

الحاجة إلى استراتيجية مزدوجة المسار:

إن الوضع المائي الحرج في الأردن يتطلب استراتيجية تنموية مرنة وواقعية باتجاهين متكاملين:

أولاً: التحول نحو أنشطة ذات اعتماد مائي منخفض
في الزراعة: التركيز على المحاصيل المقاومة للجفاف مثل الشعير، الزعتر، والنباتات العطرية والطبية، والتقليل التدريجي من الزراعات المستنزفة للمياه مثل الموز والبطيخ.
في الصناعة: جذب صناعات تكنولوجيا المعلومات والخدمات والمنتجات الخضراء ذات البصمة المائية المحدودة.
في السياحة: تطوير مسارات سياحة بيئية وثقافية تعتمد على المشي والتفاعل المجتمعي بدلاً من السياحة الفندقية الكثيفة الاستهلاك للمياه.

ثانياً: تطوير القطاعات القائمة عبر تقنيات ذكية مائياً
أنظمة ري حديثة كالتنقيط والمراقبة الحسية للرطوبة للتقليل من الفاقد المائي في الزراعة.
إعادة استخدام المياه الرمادية والصناعية، خاصةً في الصناعات الكبرى والفنادق.
إدخال أدوات توفير المياه في المرافق السياحية كالصنابير الذكية، وإعادة تدوير المياه في المسابح والمغاسل.

خارطة طريق زمنية نحو التحول المائي الذكي (2025 – 2035):
المرحلة الأولى (2025–2026): التقييم والتهيئة، وتشمل إجراء جرد مائي دقيق للقطاعات، مراجعة السياسات المائية، وبدء حملات التوعية.
المرحلة الثانية (2027–2029): التحول المرحلي، من خلال تخفيض تدريجي بنسبة 10% في الحصص، دعم تقنيات الترشيد، وتحفيز أنشطة بديلة.
المرحلة الثالثة (2030–2032): التوسع والتثبيت، بالوصول إلى نسبة 25% من التخفيض، وإدخال قوانين تحفيزية وضريبية، وبناء قدرات وطنية.
المرحلة الرابعة (2033–2035): الاستدامة والاعتماد الكامل، بتحقيق تخفيض بنسبة 30%، وتبني نموذج الاقتصاد المائي الدائري، وتوطين الابتكار في تقنيات المياه.

إن التغير المناخي لم يعد تهديداً مستقبلياً، بل واقعاً يفرض نفسه على كافة قطاعات التنمية. والاستجابة الفاعلة لهذا التحدي تبدأ بتحديد هدف مائي عادل ومستدام، وتطوير استراتيجية ذكية ذات مسارين: التحول نحو أنشطة قليلة الاعتماد على المياه، وتحديث القطاعات القائمة لتكون أكثر كفاءة. بهذه الرؤية والخارطة، يمكن للأردن الحفاظ على اقتصاده، وتأمين استقراره المائي للأجيال القادمة.

هذا وقد إقترحت عبر الاعلام لسيدي صاحب الجلالة قبل أسبوع تقريبا إستراتيجية القرى الإتتاجية السكنية في البوادي الأردنية، وتعد خطة وطنية وخيار دولة من أجل البقاء... تاليا مختصرها:

الملخص:

مبادرة استراتيجية لمواجهة تحديات الأردن الكبرى مثل الفقر والبطالة والعطش والطاقة والأمن الغذائي، من خلال إنشاء 50 قرية سكنية إنتاجية ذكية موزعة على بوادي المملكة الثلاث. هذه القرى تعتمد على المياه الجوفية العميقة، الطاقة الشمسية، وتضم أنشطة إنتاجية متخصصة (كالزراعة الذكية، الصناعات الغذائية، الحوسبة، والسياحة البيئية)، وتُدار بنظام تكافلي إنتاجي مستدام.

أهمية المقترح لاستدامة الدولة الأردنية:

1. حل جذري للبطالة والفقر والعزوف عن الزواج من خلال تشغيل وتسكين 100 ألف شاب وشابة في قرى ذات بيئة إنتاجية.

2. تخفيف الضغط عن المدن، ومنع الهجرة الداخلية، وتقليل العنف والجريمة.

3. تحقيق الأمن الغذائي والمائي عبر تنمية البادية والاستفادة من مواردها العميقة.

4. تحفيز الاقتصاد المحلي، والاعتماد على الذات.

5. خفض كلف الأزمات الاجتماعية، التي أصبحت تهدد الأمن القومي والديموغرافي.

6. نقلة نوعية في التخطيط الإقليمي تدعم العدالة والتنمية المتوازنة.

الرسالة الموجهة للملك:
أن تنمية البادية من خلال هذه القرى الذكية ليست مجرد مشروع، بل رؤية وطنية تضمن بقاء الدولة الأردنية قوية ومستقرة وقادرة على مواكبة تحديات القرن، وتُعيد الأمل للشباب وتبني مستقبلاً مستداماً للجميع.