مدارس حقلية في الجنوب الأردني: حلول خضراء لمواجهة التغير المناخي وشح المياه (صور)
إقامة سد الحبيس خطوة نوعية نحو إحياء الأراضي الزراعية
الكرك - درب الأردن في الوقت الذي تتزايد فيه تحديات التغير المناخي في الأردن، من ارتفاع درجات الحرارة وتراجع معدلات الهطول المطري إلى تفاقم شح المياه، يبرز الإبتكار الزراعي كخط دفاع أول لضمان إستدامة الإنتاج وتحسين سبل عيش المزارعين في القرى والمناطق الريفية.
ومن بين أبرز النماذج التي تجسد هذا التوجه، تأتي 16 مدرسة حقلية ينفذها مرشدون زراعيون من وزارة الزراعة ضمن مشروع بناء القدرة على التكيف مع تغير المناخ في الأردن من خلال تحسين كفاءة استخدام المياه في قطاع الزراعة (BRCCJ)، الذي تنفذه منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) من خلال: وزارات المياه والري و الزراعة والبيئة و برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، بتمويل من صندوق المناخ الأخضر (GCF) في محافظات حوض البحر الميت : مأدبا و الكرك و الطفيلة ومعان.
تعمل هذه المدارس الحقلية كنماذج تعليمية عملية، تتيح للمزارعين والمزارعات اختبار تقنيات زراعية حديثة تتلاءم مع التغيرات المناخية، وتساعد على إدارة الموارد المائية بكفاءة أعلى، وتحقيق إنتاجية مستدامة.
تمكين الكوادر الزراعية
ضمن مشروع بناء القدرة على التكيف مع تغير المناخ في الأردن من خلال تحسين كفاءة استخدام المياه في قطاع الزراعة (BRCCJ)، تأهل 53 مهندساً ومهندسة من موظفي الإرشاد الزراعي العام الماضي، من محافظات مأدبا، الكرك، الطفيلة ومعان، بعد 30 يوماً تدريبياً مكثفاً إمتد على مدار 3 أشهر، ليصبحوا مدربين وميسرين لمدارس المزارعين الحقلية الذكية مناخياً.
وتستهدف هذه المدارس تطوير مهارات المشاركين في نقل المعرفة الزراعية وتطبيق الحلول البيئية المبتكرة على أرض الواقع، مع التركيز على مشاركة المجتمع المحلي، وخاصة النساء الريفيات.
الزراعة في قلب البيوت: مدرسة "الجابونات" في مأدبا
في مأدبا، وتحديداً في منطقة المأمونية الشرقية، نفذت المهندسة نوال الشوابكة من قسم الإرشاد الزراعي مدرسة حقلية منزلية تطبق تقنية الجابونات الاقتصادية، وهي تقنية زراعية حديثة أثبتت كفاءتها في الحدائق الصغيرة والمساحات المحدودة.
تقول المهندسة الشوابكة "تقنية الجابونات أثبتت بالتجربة نجاحاً لافتاً في نمو المزروعات وتوفير المياه، إذ تمكّنت من مضاعفة الإنتاج واستثمار كل متر مربع، مع تقليل كميات مياه الري بشكل ملحوظ."
وشاركت في المدرسة 15 مزارعة من المنطقة، تبادلن الخبرات حول زراعة المحاصيل الورقية والفراولة ضمن مساحات منزلية بسيطة.
تروي أم يوسف، وهي من المشاركات في المدرسة:"تقنية الجابونات حوّلت المساحات الضيقة في بيوتنا إلى زوايا خضراء مثمرة، وأتاحت لنا إنتاج البقدونس والفراولة والخس بمياه قليلة، بل وفتحَت أمامنا باب دخل إضافي صغير."
إنقاذ بساتين الأجداد: مدرسة "الشرنقة" في الكرك
في قرية جوزة التابعة للواء عي في محافظة الكرك، كانت الأرض العطشى شاهدة على تجربة رائدة لتقنية الشرنقة، التي نفذها المهندس رمزي الضمور، ضمن إطار المدارس الحقلية الذكية مناخياً.
يقول الضمور:"المنطقة كانت تشتهر بعيون المياه التي جف معظمها خلال السنوات الأخيرة. تجربة الشرنقة جاءت لإنقاذ البساتين القديمة، بتقنية توفر المياه وتحافظ على رطوبة التربة لفترات طويلة."
زرعت المدرسة 60 شجرة من الليمون والجوافة، نصفها بتقنية الشرنقة والنصف الآخر بالري بالتنقيط.
وخلال 45 يوماً فقط، كانت النتائج واضحة: الأشجار المزروعة بالشرنقة استهلكت 2.5 متر مكعب فقط من المياه، مقارنة بـ 20 متراً مكعباً في الري التقليدي، مع تسجيل نمو خضري أطول بمرتين.
"تقنية الشرنقة وفرت أكثر من 80% من مياه الري، وحافظت على الأشجار دون فاقد. إنها حل واقعي لمشكلة نقص المياه التي تهدد استدامة الزراعة في مناطقنا"، يضيف الضمور.
سد الحبيس… مصدر حياة جديد للأراضي الزراعية
وفي الوقت الذي تتراجع الموارد المائية محافظة الكرك، يُشكّل إقامة سد الحبيس خطوة نوعية نحو إحياء الأراضي الزراعية ودعم جهود المدارس الحقلية في تعزيز الأمن المائي والزراعي.
يقول أحد المزارعين المشاركين في المدارس الحقلية في جوزة": نحتاج لاقامة سد أسفل الوادي لحجز مياه الأمطار والسيول واستثمارها في تغذية المياه الجوفية وري الأراضي المجاورة، ما يتيح لنا فرصة إعادة استصلاح مساحات كانت مهجورة لسنوات بسبب الجفاف."
ويضيف:"إقامة سد الحبيس لا يوفر لنا الماء فقط، بل يعيد الحياة للأرض. ومع تطبيق التقنيات الحديثة التي تعلمناها في المدارس الحقلية، ستكون قدرتنا أكبر على الحفاظ على المياه وزيادة الإنتاج."
من الأعلاف إلى الاستدامة: مدرسة "الأزولا" في الأغوار الجنوبية
في الغور الصافي، طبق المهندسان عدن المرادات وغالب خريسات من مديرية زراعة الأغوار الجنوبية مدرسة حقلية لتقنية الأزولا، وهو نبات غني بالبروتين يمكن استخدامه كعلف للدواجن، و يشكل غطاء نباتيا يقلل من التبخر.
توضح المرادات:"إخترنا تقنية الأزولا لأنها توفر بديلاً طبيعياً للأعلاف المكلفة، كما أنها تساهم في ترشيد إستخدام المياه. المَزارع في المنطقة تقوم بتربية الأسماك وذلك وفر بيئة جيدة لزراعة الأزولا وهذا التكامل بين المزارع المائية والزراعية خلق نظاماً بيئياً مغلقاً يقلل الهدر ويزيد من الاستدامة، ما جعل التجربة نموذجاً يحتذى به في المناطق الجافة.
المدارس الحقلية… مختبرات للمعرفة والتغيير
من المأمونية الى جوزة إلى الغور الصافي، تمثل المدارس الحقلية أكثر من مجرد مبادرات تدريبية لتكون منصات للتعلم التشاركي، حيث يصبح المزارعات والمزارعين شركاء في تطوير الحلول، لا مجرد متلقين لها.
وبينما يواصل الأردن سعيه لمواجهة آثار التغير المناخي، تظل هذه التجارب شاهداً على أن الاستثمار في المعرفة الزراعية هو الطريق نحو مستقبل أكثر خضرة واستدامة.




