الفرجات يكتب : إستحداث تخصصات في تصميم الرقائق الإلكترونية.. طريق نحو سيادة تكنولوجية واقتصادية

الفرجات يكتب : إستحداث تخصصات في تصميم الرقائق الإلكترونية..  طريق نحو سيادة تكنولوجية واقتصادية
الفرجات يكتب : إستحداث تخصصات في تصميم الرقائق الإلكترونية.. طريق نحو سيادة تكنولوجية واقتصادية

الفرجات يكتب : إستحداث تخصصات في تصميم الرقائق الإلكترونية والتقنيات النانوية: طريق نحو سيادة تكنولوجية واقتصادية

كتب أ.د. محمد الفرجات

في عالم تتسارع فيه التحولات التكنولوجية بشكل غير مسبوق، وتتصاعد فيه أهمية الرقائق الإلكترونية كقلب نابض لكل جهاز ذكي، يصبح لزامًا على الدول التي تطمح إلى السيادة الاقتصادية والمكانة الدولية أن تدخل هذه الساحة، لا بالاستيراد فقط، بل بالمشاركة الفاعلة في تصميم وتطوير هذه الرقاقات. ومن هنا، تبرز الجامعات الأردنية كعنصر حاسم في بناء هذه القدرة الوطنية، من خلال استحداث تخصصات أكاديمية حديثة في تصميم الدوائر المتكاملة، الأنظمة الإلكترونية الدقيقة، والتقنيات النانوية.

الرقاقات أو الشرائح الإلكترونية أصبحت العمود الفقري لعصر الذكاء الاصطناعي، والهواتف الذكية، والسيارات الكهربائية، والأمن السيبراني، وحتى الصناعات العسكرية. وقد أدت الأزمات العالمية إلى انكشاف هشاشة سلاسل الإمداد، مما دفع دولًا عديدة إلى إعادة التفكير بسياساتها الصناعية والتعليمية. فأين الأردن من هذا التحول؟

رغم محدودية البنية التحتية الصناعية، يمتلك الأردن كنزًا بشريًا معرفيًا في الهندسة والبرمجيات، وخبرة قوية في القطاعات الأكاديمية والتعليمية، مما يجعل مدخل "التصميم الإلكتروني" فرصة واقعية للدخول إلى هذا المجال، دون الحاجة لبناء مصانع متقدمة بمليارات الدولارات.

وللاستجابة لهذا التحدي، يُوصى بأن تستحدث الجامعات الأردنية – الحكومية والخاصة – تخصصات أو مسارات فرعية ضمن كليات الهندسة تشمل: هندسة تصميم الرقاقات، هندسة الأنظمة المدمجة، تقنيات النانو وتطبيقاتها في الإلكترونيات، أدوات أتمتة التصميم الإلكتروني، والفيزياء التطبيقية للأنظمة النانوية.

يمكن تصميم البرنامج الدراسي بشكل تدريجي ومتكامل عبر سنوات الدراسة الأربع. في السنتين الأولى والثانية، يتعلم الطالب الأساسيات مثل الدوائر الكهربائية، المنطق الرقمي، البرمجة بلغة ++C، والرياضيات الهندسية. في السنة الثالثة، ينتقل إلى تطبيقات أكثر تخصصًا مثل تصميم الرقاقات باستخدام تقنيات FPGA، والتعامل مع أدوات التصميم المتقدمة مثل Cadence وSynopsys. أما في السنة الرابعة، فيقوم بمشروع تخرج تطبيقي لتصميم شريحة إلكترونية موجهة لحل واقعي في مجالات كالذكاء الاصطناعي أو الطاقة أو الصحة. التدريب الصيفي يُنصح بأن يكون افتراضيًا أو ميدانيًا بالتعاون مع مراكز أبحاث أو شركات إقليمية وعالمية في مجال التصميم الإلكتروني.

لإنجاح هذا التوجه، نحتاج إلى إرادة سياسية أكاديمية من مجالس الأمناء وإدارات الجامعات، ودعم مالي ومعنوي من صندوق البحث العلمي ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي، بالإضافة إلى شراكات استراتيجية مع شركات عالمية، مثل TSMC وIntel وCadence، وتأسيس مركز وطني لتصميم الرقاقات الإلكترونية ليحتضن الطلبة والمشاريع والمواهب.

الآثار التنموية المتوقعة تشمل فتح آفاق جديدة للتوظيف عالي الأجر للشباب الأردني محليًا وخارجيًا، وريادة أردنية إقليمية في مجال لم يدخل بعد إلى معظم العالم العربي، وجذب استثمارات أجنبية في قطاع التكنولوجيا المتقدمة، وتأهيل الأردن للمشاركة في الصناعات السيادية كالأمن السيبراني والدفاع الرقمي.

لا نحتاج إلى مصانع عملاقة لنبدأ، بل إلى رؤية جامعية استشرافية، ومناهج حديثة، ودعم ممنهج للطلبة والباحثين. فكما لم يكن وادي السيليكون في أمريكا سوى فكرة جامعية بدأت من جامعة "ستانفورد"، يمكن أن ينطلق وادي السيليكون الأردني من رحاب جامعاتنا… شرط أن نبدأ الآن.