التل يكتب: عبد الباري عطوان بين إيران البراغماتية والأردن الثابت: معادلة السيادة والتحديات الإقليمية

درب الأردن- د.مصطفى التل: عبد الباري عطوان بين إيران البراغماتية والأردن الثابت: معادلة السيادة والتحديات الإقليمية
في عالم السياسة، حيث تتداخل العواطف مع الحقائق، يظهر عبد الباري عطوان كأحد الأصوات التي تتأثر بشدة بعواطفه وتمنياته، مما يجعله ينحرف عن المسار الواقعي في تحليلاته.
إن عاطفته الجياشة تجاه بعض القضايا الإقليمية تجعله يتبنى مواقف قد تبدو بعيدة عن المنطق السياسي السليم، مما يؤدي به إلى تجني على الثوابت السياسية التي تشكل أساس المواقف الأردنية .
في هذا السياق، نجد أن عطوان يوجه اتهامات غير مبررة للأردن، متجاهلاً الحقائق الثابتة حول استقراره وسيادته, هذا الانحراف العاطفي يضعف من مصداقيته ويجعل من تحليلاته مجرد تعبير عن أمانيه بدلاً من أن تكون رؤية موضوعية تستند إلى الواقع.
ففي خضم التحولات الإقليمية المتسارعة والتوترات الدولية المعقدة، تتخذ إيران نهجاً براغماتياً في سياستها الإقليمية، مستفيدة من الفرص والتحديات في آنٍ واحد لتعزيز نفوذها وصون مصالحها. وعلى العكس، يبرز الأردن كدولة ثابتة تتمتع باستقرار سياسي وعسكري واضحين، تؤكد من خلالهما أحقية الدفاع عن سيادتها الوطنية بمعادلة لا تقبل المساومة أو الاختراق من أي طرف، سواء إسرائيل أو إيران أو غيرهما.
- إيران البراغماتية: التكيف والاستراتيجيات متعددة الأبعاد:
تعتمد السياسة الإيرانية على رؤية براغماتية دقيقة تسمح بالتكيف مع المتغيرات الإقليمية والدولية. تتجسد هذه الرؤية من خلال استراتيجيات شاملة تشمل التنسيق السياسي والدبلوماسي، التدخلات العسكرية، والدعم المباشر للأذرع الإقليمية في دول كالعراق وسوريا ولبنان.
تسعى إيران عبر هذه الاستراتيجيات إلى تثبيت نفوذها وتحقيق مكاسب تكتيكية في مواجهة التحديات المختلفة، مستفيدة من الضغوط الاقتصادية والسياسية الداخلية للتركيز على التحكم في السياسة الخارجية بنجاعة.
تسعى إيران أيضاً إلى توثيق علاقات مع قوى إقليمية ودولية كبرى، مثل روسيا والولايات المتحدة، لتسهيل مناوراتها وتعزيز موقعها السياسي والاقتصادي على الساحة الإقليمية.
- الأردن الثابت: درع السيادة والاستقرار الوطني:
في مقابل الديناميكية الإيرانية وتأثيرها المزعزع، يثبت الأردن على موقفه الراسخ الداعي إلى الاستقرار وحماية سيادته الوطنية. يعكس هذا الموقف رؤية الأردن في استرداد الحقوق العربية وترسيخ خطوط حمراء صارمة على عروبته وسيادته ومصالحه الوطنية لا يمكن لأي طرف تجاوزها.
ينطلق الأردن في سياسته من اتفاق على أن سيادة الدولة فوق الجميع، مما يجعل سيادة الأردن حجر الأساس لبناء دولته وضمان أمنها واستقرارها. ويعكس ذلك تراكم استراتيجية دفاعية متوازنة تجاه كافة الأطراف، تنعكس في تصريحات وزير خارجيته أيمن الصفدي حول رفض أي تهديد أو اختراق للسيادة الأردنية، سواء من إسرائيل أو إيران أو أي جهة أخرى.
حيث يلعب الأردن دور الوسيط النزيه في العديد من النزاعات الإقليمية، ويحرص على حماية أمنه عبر تعزيز قدراته الدفاعية واستدامة علاقاته المتوازنة مع دول المنطقة والعالم، ما يرسخ مكانته كلاعب إقليمي حكيم ومتزن.
- التحديات الراهنة وردود الفعل الأردنية:
مع تصاعد التوتر بين إسرائيل وإيران، اتخذ الأردن إجراءات وقائية صارمة، مثل إغلاق أجوائه مؤقتاً، لمنع تدهور الأوضاع الأمنية وحماية سكانه. وأكد المسؤولون الأردنيون بشكل قاطع رفضهم لأي خرق للأجواء الوطنية أو تهديد لأمن المملكة.
وفي تصريح رسمي أكد وزير الخارجية أيمن الصفدي: "الأردن يدين العدوان الإسرائيلي، ويعمل بكل جهده لخفض التوتر، لكنه لن يسمح بخرق السيادة وتهديد أمن مواطنيه، وهذه خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها."، مما يدل على التزام الأردن بمعادلة ثابتة تستند إلى احترام السيادة والحفاظ على الأمن الإقليمي.
- دروس مستفادة وتطلعات مستقبلية:
وسط تزايد التداخلات والتنافس الإقليمي، يبرز الأردن كنموذج مميز في الحفاظ على سيادته وجغرافيا دولته واستقلال قراراته السياسية والأمنية، وهو نموذج يحتذى به لتعزيز الدفاع عن حقوقه في الشرق الأوسط والاقليم .
ويمكن للأردن تعزيز دوره القيادي في المنطقة من خلال الاستمرار في الدفاع المستميت عن مصالح العرب وحماية الأمن الوطني، مؤمناً أنه واجب كل دولة أن تحترم سيادة جيرانها. في المقابل، يجب على إيران أن تحترم هذه السيادة وألا تستخدم نفوذها في تقويض أمن واستقرار الدول المجاورة.
- في النهاية تذكير عبد الباري عطوان بدور ايران في تفكيك دول المنطقة والاقليم :
السياسات الإيرانية الإقليمية تُعزز دورها في زيادة تفكيك واستنزاف بعض الدول المهمة مثل العراق، أفغانستان، وسوريا، حيث أدخلت استراتيجياتها مستويات عميقة من الانقسامات السياسية والاجتماعية والعسكرية ، مع تداعيات واضحة على وحدة هذه الدول واستقراره, ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
أ- العراق: تعزيز النفوذ على حساب وحدة الدولة:
بعد الغزو الأمريكي عام 2003، استغلت إيران الفوضى السياسية والأمنية التي أعقبتها لتعزيز نفوذها داخل العراق, عبر دعمها القوي للميليشيات الشيعية، وسعت الى حصر السلطة الحاكمة العراقية بشكل مباشر بمصالح إيران، مما أدى إلى تصاعد الانقسامات الطائفية وتفكيك النسيج الاجتماعي والسياسي العراقي الأصلي، وتفاقمت الأزمات الأمنية وانعدام الاستقرار.
ب- أفغانستان: استثمار الفراغ الأمني وتوسيع النفوذ:
في أفغانستان، اتخذت إيران دوراً معقداً بتقديم الدعم لفصائل مختلفة متعارضة مع طالبان، بينما توسعت نفوذها على الأرض السياسية بعد انسحاب القوات الأمريكية, ساهم هذا في تعزيز الانقسامات الداخلية وإضعاف قدرة الدولة على الحفاظ على سيادتها ووحدتها، ما أفضى إلى تفكك مؤسساتها واستمرار الاضطرابات فضلا عن تحالفها العلني مع الولايات المتحدة الامريكية في اسقاط حكم طالبان .
ج - سوريا: التدخل والتشرذم الداخلي:
تدخلت إيران منذ بداية الحرب الأهلية السورية بدعم نظام بشار الأسد عبر إرسال قوات وميليشيات متعددة الجنسيات، ليكون لها دور مباشر في المعركة.
هذا التدخل، وإن ساعد في إبقاء النظام، إلا أنه ساهم أيضاً في تفكيك الدولة السورية من الداخل عبر تعميق الانقسامات الطائفية والعرقية, مما ساعد إيران على بناء شبكة نفوذ مسلحة أدت إلى تدمير البنية التحتية وتفاقم الأزمة الإنسانية الدولة السورية قبل اسقاطها برمتها .