الحقوق الدستورية أمام اختبار القيود القانونية: حق التقاضي في النظام الأردني

الحقوق الدستورية أمام اختبار القيود القانونية: حق التقاضي في النظام الأردني
الحقوق الدستورية أمام اختبار القيود القانونية: حق التقاضي في النظام الأردني

د.مصطفى التل 

درب الأردن - تتسم الأنظمة القانونية بالتعقيد والتطور المستمر، حيث تتداخل القوانين مع الحقوق الأساسية للأفراد، في الأردن، يبرز حق التقاضي كأحد الحقوق الأساسية التي يكفلها الدستور، إلا أن هناك قيودًا قانونية تعيق الوصول إلى العدالة. تتناول هذه المقالة الإشكاليات المرتبطة بالقيود المالية المفروضة على حق التقاضي، وتستعرض المخالفات الدستورية، والتحديات التي تواجه العدالة الدستورية، بالإضافة إلى سبل الإصلاح المقترحة.

من امثلة النصوص القانونية:
تتضمن الفقرة (ب) من المادة السابعة من قانون محاكم الصلح الأردني نصًا يحظر على غير المحامين المرافعة في الدعاوى الحقوقية التي تزيد قيمتها عن ألف دينار، مما يثير تساؤلات حول مدى توافق هذا النص مع المبادئ الدستورية. فهذه القيود المالية تعني أن الأفراد الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف المحاماة يُحرمون من حقهم في التقاضي، مما يخلق حالة من عدم المساواة في الوصول إلى العدالة.

المخالفات الدستورية لهذا النص :

1- انتهاك حق الوصول إلى القضاء

تنص المادة (101) من الدستور الأردني على أن "المحاكم مفتوحة للجميع". إن القيود المالية المفروضة بموجب النص المطعون فيه تحول دون ممارسة هذا الحق، مما يعيق قدرة الأفراد على اللجوء إلى القضاء. فالأشخاص الذين لا يمتلكون الموارد المالية اللازمة لا يمكنهم الدفاع عن حقوقهم، مما يتعارض مع مبدأ العدالة.


2- تمييز غير مبرر
المادة (6) من الدستور تؤكد على أن "الأردنيون أمام القانون سواء". إلا أن القيود المالية تخلق تمييزًا صارخًا بين المواطنين، حيث يتمتع القادرون على دفع تكاليف المحاماة بفرص أكبر للوصول إلى العدالة، بينما يُحرم الآخرون من هذا الحق,هذا التمييز يتعارض مع مبدأ المساواة ويعكس عدم العدالة في النظام القانوني.


3- الحق في الدفاع الشخصي
يعتبر الحق في الدفاع الشخصي من الحقوق الأساسية التي يكفلها الدستور, إلا أن النص السابق على سبيل المثال لا الحصر  يسلب الأفراد من هذا الحق، حيث يُجبرون على التخلي عن الدفاع عن أنفسهم في حال عدم قدرتهم على تحمل تكاليف المحامي, هذا الأمر يعيق قدرتهم على حماية حقوقهم ويجعلهم عرضة للظلم.

•    تحديات العدالة الدستورية
تواجه العدالة الدستورية في الأردن عدة تحديات تعيق فعاليتها:

1-    عوائق إجرائية
تتعلق العوائق الإجرائية بإحالة الطعون إلى المحكمة الدستورية، حيث توجد قيود على من يمكنه الطعن, هذه القيود تحد من قدرة الأفراد والمجموعات على الوصول إلى العدالة الدستورية، مما يعيق تحقيق العدالة.


2-    ضيق نطاق الجهات المخولة بالطعن
تقتصر صلاحية الطعن الدستوري على جهات محددة، مما يحرم فئات واسعة من المجتمع من القدرة على الدفاع عن حقوقهم, هذا الأمر يتطلب مراجعة شاملة للنظام القانوني لتوسيع نطاق الطعن.

3-    محدودية صلاحية القضاة
تُظهر القوانين الحالية أن القضاة لا يمكنهم إثارة الدفع بعدم الدستورية من تلقاء أنفسهم، مما يحد من قدرتهم على حماية الحقوق الأساسية, هذه المحدودية تعكس ضعف الرقابة القضائية على النصوص القانونية.


 * ما الذي يجب فعله ؟!!
لضمان كفالة الحقوق الدستورية بشكل فعلي، يجب بحث التالي :

1-     مراجعة النصوص القانونية
يجب مراجعة النصوص القانونية المقيدة للتقاضي، وخاصة تلك التي تفرض قيودًا مالية تعجيزية,  بحيث ينبغي أن تكون هناك آليات تضمن حق الأفراد في الدفاع عن أنفسهم دون قيود مالية.

2-     توسيع نطاق الطعون الدستورية
يجب توسيع نطاق الطعون الدستورية ليشمل فئات أوسع من المجتمع، بما في ذلك المنظمات المدنية والنقابات المهنية ومواطنين مما يعني شرائح أكبر من المجتمع سيتمكنون  من الوصول إلى العدالة.


3-    تطوير آليات المساعدة القانونية
يجب تطوير نظام المساعدة القانونية ليشمل المتعثرين ماليًا، بحيث يتمكن الجميع من الحصول على الدعم القانوني اللازم للدفاع عن حقوقهم ان كانوا بحاجة له .


4-     تمكين القضاة من إثارة الدفع بعدم الدستورية
يجب منح القضاة صلاحية إثارة الدفع بعدم الدستورية، مما يعزز من قدرتهم على حماية الحقوق الأساسية ويعزز من دورهم كحماة للعدالة.

 في النهاية تشكل القيود المفروضة على حق التقاضي اختبارًا حقيقياً لجدية الحماية الدستورية للحقوق الأساسية في النظام القانوني الأردني.

 يتطلب تجاوز هذه الإشكالية مواءمة شاملة بين النصوص التشريعية والضمانات الدستورية، مع ضمان فعالية آليات الرقابة القضائية. 

فالحق في التقاضي ليس مجرد مبدأ قانوني، بل هو المدخل الأساسي لحماية جميع الحقوق الأخرى, إن تحقيق العدالة يتطلب التزامًا حقيقيًا من جميع الأطراف المعنية لضمان أن يكون القانون في خدمة الجميع، وليس فقط لفئة معين.