أفريقيا بين فوهة البندقية ومختبر السياسة: قراءة أردنية تكشف ديناميكيات الانقلابات وفرص تجاوزها

أفريقيا بين فوهة البندقية ومختبر السياسة: قراءة أردنية تكشف ديناميكيات الانقلابات وفرص تجاوزها
أفريقيا بين فوهة البندقية ومختبر السياسة: قراءة أردنية تكشف ديناميكيات الانقلابات وفرص تجاوزها

أفريقيا بين فوهة البندقية ومختبر السياسة: قراءة أردنية تكشف ديناميكيات الانقلابات وفرص تجاوزها

بقلم: أ. د. أمجد الفاهوم

في رحلة بحثية لافتة تنشرها مجلة World Affairs، إحدى أعرق المجلات العلمية المحكمة في دراسات السياسة الدولية، يقدّم ثلاثة من الباحثين الأردنيين قراءة معمّقة ومركّبة لإحدى أكثر الظواهر رسوخًا في الجغرافيا السياسية الإفريقية: الانقلابات العسكرية. وتنبع أهمية هذه الدراسة من صرامة المجلة في التحكيم العلمي، ومن مكانة الباحثين الذين ينتمون إلى مدرسة بحثية راسخة في الجامعات الأردنية.

يتصدر الفريق البحثي الأستاذ الدكتور محمد تركي بني سلامة، استاذ العلوم السياسية في جامعة اليرموك  ،وإلى جانبه الأستاذ الدكتور عزّام عنانزة، أستاذ الإعلام في جامعة اليرموك، والدكتور أيمن براسنة، أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة الأردنية.

يمثل هؤلاء نموذجًا لكفاءة علمية قادرة على إنتاج معرفة مرجعية في حقل معقد مثل التحولات السياسية والانقلابات، وهو ما تعكسه بوضوح هذه الدراسة.

تستند الورقة إلى قاعدة بيانات واسعة تمتد من ستينيات القرن العشرين حتى عام 2023، كاشفة عن أن القارة الإفريقية شهدت ما يقارب مئتي انقلاب، نجح أكثر من نصفها في الوصول إلى الحكم. ويبرز من خلال التحليل وجود "حزام انقلابي" شبه ثابت في غرب ووسط إفريقيا، وهو ما يشير إلى عمق الأزمة البنيوية في تلك الدول، واستمرار البؤر الجغرافية لهشاشة الدولة ومحدودية الاستقرار.

وتقدّم الدراسة تفسيرًا متعدد الطبقات لهذه الظاهرة، بدءًا من ضعف المؤسسات المدنية والأحزاب السياسية، والانقسامات الإثنية، والفساد، وصولًا إلى الضغوط الاقتصادية التي تطيح بشرعية الحكومات المنتخبة وتُفسح المجال أمام الجيوش للتمدد في السياسة. ويناقش الباحثون أيضًا — بنَفَس دقيق ومسؤول — الدور الخارجي، متتبعين أثر القوى الدولية منذ الاستعمار وحتى صراعات النفوذ الراهنة، وما أنتجته من هشاشة مستدامة داخل الأنظمة الإفريقية.

قيمة الدراسة لا تتوقف عند حدود التشخيص، بل تمتد إلى ما يشبه خريطة طريق سياسية. فهي تشير إلى أن بعض الانقلابات الأخيرة في الساحل الإفريقي — مثل مالي والنيجر وبوركينا فاسو — تلقّت تأييدًا شعبيًا أوليًا مدفوعًا بالإحباط من أداء الحكومات المدنية، لكن هذا التأييد سرعان ما يتآكل مع انزلاق الحكم العسكري إلى الاستبداد وإعادة إنتاج الفشل ذاته. ويمنح هذا التحليل صانع القرار القدرة على فهم حدود القوة العسكرية في البيئات الهشة، ويدفع نحو إدراك أعمق لآليات الانتقال السياسي الواقعي.

في المقابل، تستعرض الدراسة فرصًا حقيقية لإصلاح المنظومات السياسية، بينها تعزيز استقلال القضاء والمؤسسات المدنية، وتطوير أدوات رقابية صارمة على أداء الجيوش، وتمكين الأطر الإقليمية وعلى رأسها الاتحاد الإفريقي من لعب دور أكثر فاعلية في منع التغييرات غير الدستورية. كما تشدد على ضرورة إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية لتصبح قوة احترافية محايدة؛ فبدون جيش وطني منزَّه عن السياسة لا يمكن لأي عملية تحول ديمقراطي أن تستقيم.

وتزداد مصداقية الدراسة من خلال توظيفها لإرث بحثي غني في حقل التحولات السياسية، بدءًا من أعمال صامويل هنتنغتون حول العسكرة والديمقراطية، مرورًا بجهود باتريك ماكغوان في تتبع تاريخ الانقلابات الإفريقية، وصولًا إلى تحليلات معاصرة تشرح موجة الانقلابات الجديدة في الساحل.

بهذا الجهد المعرفي، يثبت الباحثون الأردنيون حضورًا علميًا مشرفًا في نقاش عالمي حيوي، ويؤكدون أن الجامعات الأردنية — وفي مقدمتها جامعة اليرموك — تمتلك القدرة على إنتاج معرفة عميقة قادرة على تفسير أعقد الظواهر السياسية. وتفتح هذه الدراسة نافذة لفهم التاريخ السياسي لإفريقيا، وتمنح القارئ والمختص على السواء أداة تحليلة متينة تساعد على قراءة مستقبل القارة في عالم شديد الاضطراب.