بقلم سنديب واسلكر: أوبونتو الذكاء الاصطناعي

أوبونتو الذكاء الاصطناعي
بقلم: سنديب واسلكر
كغاليما موتلانثي رجل دولة محترم في جنوب إفريقيا. كان رئيسًا للبلاد قبل نحو 15 عامًا. وعلى الرغم من أنه ينتمي إلى جيل الأمس، إلا أن تفكيره منشغل تمامًا بجيل الغد.
مؤسسته في جوهانسبرغ مكرّسة لتزويد الأطفال في المناطق الفقيرة بالمهارات الرقمية، حيث يتعلمون البرمجة والروبوتات. ويملأ الحماس عيون الفتيان والفتيات في سن 14 و15 عامًا وهم يزورون المؤسسة. والخطوة القادمة هي تمكينهم من مهارات الذكاء الاصطناعي.
صديقه ماثيوز فوسا يتبع نهجًا مختلفًا. كان مناضلًا من أجل الحرية مثل الرئيس موتلانثي، وعلى مدى العقدين الماضيين، أصبح صانع ملوك سياسيًا. أطاح بثابو مبيكي من رئاسة البلاد، وساعد كلًّا من جاكوب زوما وسيريل رامافوزا على الوصول إلى الرئاسة.
هو سياسي ناجح ومحامٍ ورجل أعمال ومؤلف. كما أنه منشغل بمكانة جنوب إفريقيا في السباق التكنولوجي العالمي، ويسعى لأن تعتمد حكومته سياسات تجعل من بلده صانعًا للقواعد لا تابعًا لها عند التفاوض على القواعد الدولية للذكاء الاصطناعي.
يوجد خيط مشترك بين استراتيجية موتلانثي من الأسفل إلى الأعلى، واستراتيجية فوسا من الأعلى إلى الأسفل، وهو أن جنوب إفريقيا، رغم مشاكلها المتراكمة من الماضي، لا ينبغي لها أن تغفل عن المستقبل. كلاهما يدرك أن الذكاء الاصطناعي هو محرك أساسي لهذا القرن.
يشعر الجنوب أفريقيون بالغضب من تحيز النماذج الحالية للذكاء الاصطناعي ضد العرق. إذا سألت "غروك" أو "شات جي بي تي" أو "جيميني" أن يصفوا رجل أعمال ناجحًا، فسيعرضون صورة رجل أبيض يرتدي ربطة عنق. ولن يُظهروا باتريس موتسيبي أو ماثيوز فوسا. وإذا طلبت صورة لمجرم، فمن المحتمل أن تظهر صورة رجل أسود يرتدي قميصًا ممزقًا.
يريد الجنوب أفريقيون محاربة هذا التحيّز العنصري في التكنولوجيا الجديدة. ولهذا طوّرت بيلونومي مويلوا وفوكوسي موريفاتي نموذجًا لغويًا صغيرًا مدرّبًا على لغات جنوب إفريقيا المحلية. وهذه موجة نلاحظها في بلدان أخرى مثل الهند وكوريا والبرازيل والسعودية، حيث تزداد شعبية النماذج اللغوية المدربة على البيانات المحلية. لكن يبقى السؤال مطروحًا: هل ستحقق النماذج الرائدة عالميًا توازنًا عرقيًا وثقافيًا وجندريًا؟ الجواب: ليس بعد.
لا خيار أمام هذه الدول سوى أن تتكاتف لتشكيل القواعد العالمية التي ستحدد مستقبل الذكاء الاصطناعي. ويدرك الجنوب أفريقيون أنهم لا يستطيعون أداء هذا الدور العالمي إذا اكتفوا بالشكوى من التحيز العنصري. فهم يدركون أن عليهم تجاوز قضاياهم الخاصة للتعامل مع التحديات العالمية الكبرى التي تفرضها الأنظمة المتقدمة للذكاء الاصطناعي، والتي قد تشكل خطرًا وجوديًا إذا خرجت عن السيطرة أو استُخدمت لصناعة الأسلحة.
التقيت ألفريد ماشِشي في أحد مطاعم بريتوريا على وجبة "ميلي باب". وهو مسؤول كبير في وزارة التكنولوجيا الرقمية، ومؤلف عدة أوراق سياسات عن مستقبل الذكاء الاصطناعي، تتم مناقشة بعضها حاليًا في البرلمان. والرسالة الواضحة في هذه الوثائق كلها هي:
"جنوب إفريقيا تريد أن تكون لاعبًا فاعلًا على الساحة العالمية، ليس فقط عبر التقدم التكنولوجي، بل أيضًا من خلال التأثير في أطر أخلاقيات وحوكمة الذكاء الاصطناعي."
وقد عبر عن هذا الطموح كل الوزراء والمسؤولين والسياسيين الذين التقيت بهم في كيب تاون وبريتوريا.
جنوب إفريقيا في موقع فريد يتيح لها الجمع بين الهموم المحلية العاجلة والتهديدات المستقبلية على مستوى العالم. ويحمل الجنوب أفريقيون إحساسًا قويًا مفاده: "لقد مررنا بهذا من قبل."
فقد نالوا استقلالهم من نظام الفصل العنصري قبل أربعين عامًا فقط، ولا يريدون لنظام "الفصل الخوارزمي" (Algorithmic Apartheid) أن يحكم العالم. كما أنهم امتلكوا أسلحة نووية في السابق، ثم تخلوا عنها طواعية. وهم لا يريدون للذكاء الاصطناعي أن يتحوّل إلى سلاح خطير آخر على غرار السلاح النووي.
إنهم يرون أن مستقبل الذكاء الاصطناعي يجب أن يتشكل بناءً على تجاربهم التاريخية.
كما أنهم يفتخرون بفلسفتهم المعروفة باسم "أوبونتو"، والتي تعني: "أنا لأننا نحن". فإذا كانت أنظمة الذكاء الاصطناعي المتقدمة تهدد استقرار البشرية أو وجودها، فالجميع سيتأثر. وإذا دُمّر الجميع، فأنا أيضًا منتهي.
ورغم أن البعض ينتقد الجنوب أفريقيين بأنهم لا يطبقون "أوبونتو" في حياتهم اليومية، إلا أن بلادهم تبدو وكأنها تتبناها في سياستها الخارجية.
سيرأس الرئيس سيريل رامافوزا قمة مجموعة العشرين في نوفمبر المقبل، وجنوب إفريقيا عضو نشط في مجموعة بريكس والعديد من المنتديات الأفريقية. لديها فرصة لصياغة مقاربة جديدة لـ"أوبونتو" في حوكمة الذكاء الاصطناعي على المستوى العالمي. لكن المهمة لن تكون سهلة.
فقد تلقت جنوب إفريقيا، بصفتها مضيفة قمة G20، اقتراحات من نحو 300 مجموعة خبراء. ومعظم هذه التوصيات بشأن الذكاء الاصطناعي توقفت عند مفهومي "الإدماج" و"الوصول إلى التكنولوجيا"، ولم تدرك أن الذكاء الاصطناعي يسير في اتجاه أنظمة متقدمة قد تفرض سيطرتها على المجتمعات البشرية.
وكما تحلّت جنوب إفريقيا بالشجاعة لرفض الفصل العنصري والتخلّي عن أسلحتها النووية، فإن عليها أن تلعب دورًا عالميًا في الدفاع عن مبادئ العدالة والإنصاف والمسؤولية تجاه الإنسانية.